
جماعة الهجرة للجنوب تعيد اكتشافه وتحتفل به فى مسقط رأسه
يونس القاضى…مؤلف نشيد (بلادى) ومكتشف عبد الوهاب وأم كلثوم
• يونس القاضي ابن النخيلة بأسيوط..مؤلف نشيد( بلادي ) و مكتشف عبد الوهاب وأم كلثوم!
• كان يشرح خطب مصطفى كامل الفصحى لأهالي قريته اعتقله الانجليز 19 مرة بسبب مسرحياته
• صاحب مسرحية حسن أبو على سرق المعزة وأول من شجع عبد الوهاب على الغناء الوطني
• زوروني كل سنة مرة و( شال الحمام حط الحمام)و (حب الوطن فرض.). من أشهر أغانيه مع سيد درويش
• اتهموه بترويج الأغاني الهابطة فلحن له عبد الوهاب (فيك عشرة كوتشينة) و غنى له زكريا احمد (ارخى الستارة) و (الساعة كام) و (يا سى محمد).
من زمان والصعيد نهبا لغير أبنائه فمن سرقات الخواجات الانجليز وغيرهم لتراثنا الحضاري من تماثيل و مومياوات فرعونية إلى النظرة الاستعلائية للبهوات و الباشاوات القدامى و الجدد الذين رأوا في خيرات الصعيد الزراعية مغنما لهم و لا يتوقف النهب و السلب لما تجود به أراضي الصعيد على المنتجات فقط بل امتد ذلك أيضا إلى سلب إبداعات الكثيرين من الموهوبين الصعايدة و لعل (جماعة الهجرة للجنوب) التي أسسها (أبو العباس محمد) وبصحبته نخبة عاشقة للصعيد هي تسعى إلى إزاحة الغبار و الاحتفاء بالمبدعين والنبلاء من أبناء الصعيد لا تجد أحق من الشاعر (محمد يونس القاضي) تبدأ به تنفيذ وعدها هذا تحتفي به في الأسبوع الأخير من شهر يناير الجاري بمسقط رأسه بقرية النخيلة بالتعاون مع محافظة أسيوط التي رحبت كثيرا وأعرب محافظها عن تذليل كافة العقبات ليخرج ذلك الاحتفال لائقا بصاحبه وبتاريخه الإبداعي والوطني .
الحال مع معظم مبدعي مصر الحقيقيين الذين غطاهم غبار النسيان فإنه لا توجد كتب او مؤلفات عن هؤلاء الافذاذ فى عصرهم و حتى الان و لولا ان قيض الله باحثة فى قامة الدكتورة ايمان مهران لما وجدنا سوي النبذات الصغيرة عن هذا الرائد فقد اصدرت كتابا بعنوان (شيخ المؤلفين .. محمد يونس القاضى رائد التاليف المسرحى و الغنائي) على نفقتها الخاصة و هو جهد يشكر لها و من خلال هذا الكتاب و هو بالمناسبة الكتاب الوحيد عن شخصية بقامة يونس القاضى وكم تتمنى أن يستجيب اللواء نبيل العزبى لنداءها ويوافق على طبع مئات من نسخ هذا الكتاب ليطلع عليه أبناء اسيوط والصعيد ويعرفون أكثر من هو محمد يونس القاضى .
ولد محمد يونس القاضى فى الاول من يوليو عام 1888لأبوين من اسرة عريقة بقرية النخيلة التابعة لمركز ابو تيج فوالده هو القاضى يونس احمد الشهير باسم يونس القاضى ووالدته هى السيدة عائشة الحريري من اعيان القاهرة الفاطمية و كما تشير الدكتورة ايمان فى كتابها الى ان محمد يونس القاضى ارتبط وطنيا و روحيا بالزعيم مصطفي كامل وقد استمد شاعرنا القاضى كلمات نشيد (بلادى بلادى لك حبي و فؤادى) من خطبة للزعيم الذى كان يرعى الشاعر ثقافيا و معنويا وقد تربي على و نشا فى ظلال مدرسة الزعيم و قد تعرف اليه عام 1905 حين كتب مقالة فى (جريدة اللواء) يهاجم فيها الانجليز وعن ذلك اللقاء يقول القاضى: (خرجت من عنده وانا متحمس جدا و بدأت فى تاليف الجمعيات الوطنية بالازهر)، ولا ينسي بالطبع ما قاله له الزعيم مصطفى كامل (يا شيخ يونس انا بخطب بالفصحى و الفرنسية و الانجليزية ولكن الناس فى حاجة لمن يحدثهم بلغتهم وانت الوحيد الذى يستطيع ذلك)، و قد ترجم القاضى هذه الكلمات فى اعماله الفنية و فى نشاطاته السياسية الوطنية حيث كان يقوم بشرح خطب الزعيم كامل التى كان يلقيها بالعربية الفصحى و كان يترجم ايضا محتويات خطبه بالانجليزية و الفرنسية الى اللغة العامية لابناء قريته النخيلة .
و قد دفع يونس القاضى ضريبة اغانيه و مسرحياته الوطنية انه تعرض للاعتقال 19 مرة و قد اعتقله الانجليز ذات مرة حين راوا الجماهير تردد اغانى مسرحياته فى المظاهرات و كما يروي فى احاديثه الصحفية ان وكيل الداخلية انذاك ويدعى نجيب باشا قال له بعد ان امسك الجبة و القفطان الذى يرتديه القاضى : بدل ماتقول الكلام الفارغ ده دور ازاى تصنع جبة فى بلدك الاول ) و يعلق القاضي علي هذا الحادث قائلا : (هذا الكلام ظل فى راسي الى ان دات اانادى فى الروايات و المسرحيات التى اكتبها بانشاء المصانع و منها اغنية اهو ده اللى صار .. ما لكش حق تلوم علىّ) لذلك لم يكن غريبا عليه ابداع مثل هذا النشيد العبقري (بلادى بلادى ) الذى لا يزال يعيش فى و جدان الاجيال و لم لا فالقاضى له دوره الكبير و الرائد فى نشر الثقافة الوطنية و بالاضافة الى كتبه السياسية كان له السبق و الباع الطويل فى تاليف الاغانى الوطنية و كانت السيدة منيرة المهدية اول من غنت هذه النوعية و تجلت عبقرية القاضى فى الاغنيات الوطنية عند التقائه بالشيخ سيد درويش عام 1917 حين كان سيد هاربا بعد ان حطم ضلوع زوجته جليلة و من طرائف اللقاء ان القاضى بادر درويش بعد ان دله احدهم عليه بعد رحلة عناء : انا كنت فاكر الشيخ سيد ضرير و عجوز مهكع و اجابه سيد على الفور و حياة النبى انا كنت فاكرك اعمى واقرع و نزهى ) و امتدت صداتهما بعد هذا اللقاء و اثمرت باقة من الاغانىالمهمة منها العاطفى و الوطنى مثل : زورونى كل سنة مرة و قبلها نشيد بلادى بلادى بالاضافة الى اهو ده اللى صار و انا هويته وانتهيت و يابلح زغلول و خفيف الروح بيتعاجب
وتمتد علاقات القاضى بأساطين الطرب و الموسيقى فيقول فى احد حواراته الصحفية عن علاقته بالموسيقار محمد عبد الوهاب (عرفت عبد الوهاب قبل ان اقدمه الى الشيخ سيد دريش ببضع سنوات و كان يعمل فى محل الترزى احمد يوسف و كان شقيقه محمد يوسف فنانا قديرا فلفت انظارنا الى الصبي الصغير الذى يرتدى الجاكيته فوق الجلباب و كنت وقتئذ اعد رواية لفوزى الجزايرلى و هو على صلة بالشيخ حسن عبد الوهاب شقيق محمد و طلبنا منه ان ياتى لنا بشقيقه ليغنى بين فصول الرواية يقصد المسرحية و جاء عبد الوهاب و غنى بثلاثة قروش صاغ فى الليلة و يضيف القاضى و لكن كان هناك اجرا ادفعه انا لعبد الوهاب سواء غنى او لم يغن و كان يرفض الغناء الا اذا تناول طبق العاشورة .. الى ان يقول و حين توفى الشيخ سلامة حجازى عام 1916انفسح المجال لعبد الوهاب واتيحت له فرصة الغناء والتمثيل فى المسرحيات مثل شهوزاد المعروفة باسم شهرزاد و بعدها غنى بدلا من سيد درويش فى رواية الباروكة و رحب به سيد و حياه قائلا : “ولد عال و لازم يكون حاجة كبيرة فى المستقبل) .
و كذلك فالشيخ يونس القاضى هو مكتشف سيدة الغناء العربي ام كلثوم فقد سافر اليها فى قريتها طماى الزهايرة بالمنصورة واقنع والدها الشيخ ابراهيم بالرحيل الى القاهرة و التحول الى غناء القصائد و الاغانى العاطفية و الوطنية بجانب الانشاد الدينى ولكن والدها الشيخ ابراهيم لم يرض ،و مرت الايام و قد التقاهم القاضي فى مولد الحسين و كان معه الشيخ سيد درويش و عرض خالد الذكر ان يقدم لها الالحان مجانا الا ان والدها رفض رفضا باتا .. و ظل القاضى يلح على والدها الى انا وافق ان تغنى قصائد عبده الحامولى و منها اغنية ( و حقك انت المنى و الطلب ) و بعدها لحن لها عبد الوهاب اغنية خفيفة من تاليف الشيخ يونس القاضى مطلعها (قال ايه حلف ما يكلمنيش )و سرعان ما اشتهرت بها حتى اصبحت تنافس الست منيرة المهدية سلطانة الطرب فى زمانها و صارت فيما بعد سيدة الغناء الاولى فى العالم العربي .
و كالعادة لم يسلم القاضى من منغصات الحياة سواء من اهل لفن او التجاهل الاعلامى و كما يروى عنه الاستاذ حسين عثمان فى حكاياته و ذكريات من الذاكرة بمجلة الكواكب عام 1979 ان الكثيرين يظنون ان سيد درويش هو ؤلف نشيد بلادى بلادى .. و قد روى لى القاضى انا و بعض الزملاء عن استيائه من ادعاء البعض ملكيته للنشيد حتى اننى ذكرته بحكايته لى انه كان قد سجل هذا النشيد مع عشرة اناشيد اخري فى المحكمة المختلطة عام 1923قبل ان تكون هناك جمعية للمؤلفين والملحنين و قد غنت هذا النشيد الست تودد على اسطوانة مسجلة لشركة ميشيان تحت رقم 923 و كذلك الاستاذ محمد بهجت لنفس الشركة تحت رقم 942 وقد اختاره الموسيقار عبد الوهاب عام 1978 عقب توقيع معاهدة السلام ليكون النشيد الوطنى للبلاد .. وبعدها تحرك هو وابنائه لاثبات حقوق الاداء عن النشيد لدى شركات التسجيلات .
ويذكر ان نشيد بلادى بلادى كتبه القاضي لترجمة مشاعر الشعب المصري بعد نفى سعد زغلول ورفاقه و لا تتوقف ابداعته عند ذلك بل كتب ايضا يا بلح زغلول و اهو ده اللى صار و شال الحمام حط الحمام من مصر لما للسودان و يا عزيز عينى التى كتبها بسبب اجبار الشعب على الخدمة العسكرية فى صفوف الانجليز المحتلين و لا ينسي التاريخ له اغنيته عام 1911 و كانه يكتبها عن احوال مصر هذه الايام
يا ست مصر صباح الخير .. يسعد صباحك يا عنية .. فين العدالة يا مونشير .. و بس فين الحرية
المصدر : موقع الصعايدة – الأحد 3 يناير 2010