
أنس الفقى وراء القضبان
د. حمدى الجابرى
سمعت لأول مرة عن أنس الفقى فى لجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة منذ سنوات ، يومها قالوا أنه تبرع بطباعة أصغر كتاب للأطفال فى العالم وهو ما نال اعجاب شخصية نسائية هامة فى مصر ، وقتها تصورت أن هناك ثورة قادمة على الأنماط القديمة فى كتب الأطفال ، ومرت السنوات ونسيت سيادتها ونحن معها الأمر ولم يتحقق أى شيىء سواء للطفل أو لكتب الأطفال !
وفى اجتماع لقيادات وزارة الثقافة مع بداية حرب الخليج الثانية شاهدت حيرته بسبب نوعية العروض التى يمكن أن يقدمها جهاز الثقافة الجماهيرية الذى تولى رئاسته كمكافأة على طباعة أصغر كتاب فى العالم ، وبالطبع لم تسمح له مدة رئاسته القصيرة للثقافة الجماهيرية لتعريف الناس بأفكاره أو تحقيق أى انجاز يحسب له، ونفس الأمر تكرر عندما تولى فجأة منصب وزير الشباب لمدة أقصر فلم يظهر له أى أثر وكأن الظروف تعاند هذا الشاب خريج كلية التجارة رغم صعوده الصاروخى من العدم الى كرسى الوزارة ..
والحقيقة أنه لا يمكن لمنصف أن يحسب على أنس الفقى عدم تحقيق أية انجازات فى الثقافة الجماهيرية أو وزارة الشباب ، وفى نفس الوقت فان استمراره فى منصب وزير الاعلام منذ عدة أعوام يعنى أنه يمكن توجيه الشكر له على ما يكون قد أنجزه أو محاسبته على ما لم ينجزه فى هذه الوزارة الهامة ، ليس فقط بسبب أهميتها ولكن أيضا حتى لا يتهم أصحاب الإختيارات الفوقية بعدم وضوح الرؤية !
واذا كان كثير من الكبار من أصحاب الخبرة فى المواقع التى تولاها قد عاقبوه دون ذنب بعدم تقديم المشورة الصادقة له وتركوه لمصيره فإنه بدوره قد استغنى عنهم واعتمد على بعض الشباب ممن لا خبرة لهم فى هذه المجالات فأصبحت حقل تجارب وبالذات وزارة الاعلام مما أثر كثيرا على مردودها فى الداخل والخارج ، فرأينا مثلا الوزارة عاجزة حتى عن انتاج برنامج ” توك شو ” وظهرت سطوة رجال الدعاية والاعلان مع ما يصاحبهم من مشاكل واشاعات وقضايا وأحكام لا اعتقد انها تضيىء وجه الوزارة ، ووصل الأمر الى انصراف المشاهد المصرى فى الداخل والخارج عن التليفزيون الحكومى ليتابع القنوات المحلية الخاصة وبعض القنوات العربية التى لا يحمل بعضها أى ود لمصر أو أى مصرى ، وهو أمر بالغ الأهمية بسبب تأثيره السلبى الكبير الذى لا ينفيه مجرد الاصرار على عدم الاعتراف به !
وهنا لابد من اعادة التذكير بدور الاعلام فى بناء عقل ووجدان المشاهد كوظيفة أساسية لا يمكن السماح بالتضحية بها لأى سبب كان لعدم تحقق هذه الوظيفة عن طريق البرامج الحوارية التنويرية بأشكالها المختلفة أو الدراما التليفزيونية ، وفى كليهما ما زلنا نرتكب خطيئة التكبر والحديث عن الريادة المصرية فيهما رغم أن أول طريق العلاج هو الاعتراف بحقيقة المرض الاعلامى حتى يمكن علاجه .
واعتقد أن بداية الاصلاح للبرامج التنويرية لابد أن تكون بعودة أهل الخبرة والاستغناء عن” أهل الثقة” الذين ثبت فشلهم ، لأن الحقيقة هى أنهم قد تسببوا فى انصراف الناس عن برامجهم وبالتالى لم تتحقق رسالتها والهدف منها حتى ولو كان المزيد من النفاق لمن أتاح لهم فرصة الظهور ، أما فى مجال الدراما والمنوعات فان الملايين التى تم ويتم صرفها سنويا دون عائد حقيقى لابد أن ” تستفز ” المشاهد الذى يعانى الأمرين فى حياته ، وبالطبع لا يعنى نجاح مسلسل أو آخر أن الدراما التليفزيونية فى مصر بخير !
أما الأخطر فعلا فهو ما يجرى خارج مصر فى مجال الدراما ، فالأردن ستقدم بأمر ملكى تسهيلات غير مسبوقة لتشجيع الأعمال الدرامية ، وسوريا بفضل التوجيهات الرئاسية شهدت هذا العام تصوير أكبر عدد من المسلسلات المصرية على أرضها ، واستمرار هذا الأمر يعنى ” خراب بيت مستعجل ” للانتاج التليفزيونى المصرى بكل عناصره من فنانين وفنيين ، ومع ذلك لم تدرك النقابات الفنية مدى الخطر الذى يهدد الجميع مثلما لم تدرك وزارة الاعلام أن هذا لابد أن يؤدى الى ضياع موارد مالية هامة ، والأهم ضياع بعض دور مصر الاعلامى الذى لن ينقذه مجرد قيام الوزير بتغيير اسم مهرجان الاذاعة والتليفزيون ليصبح مهرجان الاعلام .. فهل يقوم أنس الفقى ” بجد ” بانقاذ ما يمكن انقاذه ؟