
ناصر سيف وولاء فريد
اختلفت آراء النقاد والمبدعين حول مساحة الحرية والتصرف لمؤلف الدراما في أثناءتناول شخصيات من التاريخ.. وقد تكون مساحة الحرية أكبر إذا كان العمل رؤية تخيلية مستلهمة من أحداث التاريخ أو فانتازيا تتناول أحداثا جرت في الماضي وبالتأكيد يجب أن تقل حرية المعد وأن يلتزم أكثر بوقائع التاريخ وشخوصه إذا كان يقدم عملا فنيا ضمن خطة مسرحة المناهج التي يدرسهاالتلاميذ..
فلا تطغي آراؤه الشخصية أو تصوراته عليأحداث التاريخ نفسه.. والحقيقة أن عرض طموح جارية الذي قدمه المسرح القومي للأطفال فيه الكثير مما لا سند ولعل أول مايلفت الانتباه تصوير الملك لويس الملقب بلويس القديس قائد الحملة الصليبية السابعة في صورة رجل تافه يتحدث بنعومة كالمخنثين ويتحرك حاملا منديلا حريريا رغم أنه كان في واقع الأمر طاغية مستعمرا ولا أجد تفسيرا فنيا لهذا التناقض إلا التقليد الأعمي لشخصيةالملك فيليب أوجست التي قدمها الفنان الراحل الكبير عمر الحريري في فيلم الناصر صلاح الدين وكانت بطبيعة الحال تحمل رؤية مخرج العمل الراحل يوسف شاهين- ولعل يوسف شاهين أراد أن يجعل فيليب أوجست ناعما ليظهر التناقض بينه وبين ريتشارد قلب الأسد القائد الإنجليزي المشارك له في نفس الحملة- وربماتخيله بتلك الصورة لموقفه التاريخي المائع في محاولة التفاوض علي مكاسب خاصة مقابل انسحاب جيوشه في أثناء المعركة.. وهربه بالفعل في وقت الخطر بعدانكشاف خدعته أمام رفقائه في الحملة علي أرض العرب.. ولكن الحال في مسرحيةطموح جارية كان يجب أن يختلف.. فلا مبرر علي الإطلاق لجعل مصدر الخطر هومصدر استخفاف من الجماهير.. الشيء الثاني هو الاستغراق, في تقديم مؤامرات الجواري اللاتي يشعرن بالغيرة من شجرة الدر ومحاولة اغراء واغواء أتباع لهن لإثارة الفتنة في مصر- وقد أخذ هذا المشهد مساحة كبيرة من العرض بينما ذكرانتصار المصريين علي الأعداء في جملة مبتسرة.!!.
ورغم وجود تلك الملاحظات في عرض طموح جارية فإن الفنان ناصر سيف قد تألق في أداء دور الملك الأشرف نجم الدين أيوب المؤمن بوطنه وبرسالته كحاكم يعرف قدر مسئوليته في بساطة وثقة اكتسابها عبر أداء العديد من الأدوار باللغة العربية فتشعر أنه بالفعل يجسد صورة الفارس العربي الحقيقي- وكذلك نجحت ولاء فريد في تجسيد دورالملكة شجرة الدر التي لا تظهر انفعالاتها الداخلية وتستطيع أن تزن الأموربحكمة ودهاء وإن كانت مناطق الحشو في المسرحية للعديد من الشخصيات الثانويةقد أخذت من مساحتها.. وقد تألق كذلك مصطفي السيد معد المسرحية في أداءشخصية الشيخ الحكيم ولا يحاسب وائل ابراهيم عن تقديمه لنموذج الملك المستعمر الناعم فهذا بالتأكيد يخضع لرؤية المخرج, أمانيفين رفعت فأجادت في شخصية ملكة فرنسا بأناقتها وتكبرها وطمعها في الاستيلاء علي كنوز الشرقثم انكسارها بعد الهزيمة وتوسلها أمام الملكة شجرة الدر.. يحتاج العرض إلي إعادة تفكير من مخرجه يوسف أبوزيد لشد الايقاع المترهل في بعض المشاهد والحرص علي مساعدة التلاميذ في فهم التاريخ بصورة بسيطة ومسلية.. وهذا في تصوري هو الهدف الأساسي من مسرحة المناهج.
كتب:محمــد بهجــت
الأهرام 15-5-2012