
فاروق حسنى

ليس من السهل إصلاح قطاع الثقافة في مصر، الذي عانى طيلة العقدين الماضيين من سياسة «التدجين» التي قادها الوزير الأسبق فاروق حسني (1987 – 2011). مع ذلك، بعد سقوط نظام مبارك، لاح الأمل كبيراً بأن تفرز ثورة 25 يناير وزيراً للثقافة يستجيب لتطلعات شباب الثورة ومن ماتوا من أجلها.
حَلَّ الدكتور جابر عصفور وزيراً للثقافة عقب تغيير مبارك لحكومة أحمد نظيف في 31 يناير/ كانون الثاني، آملاً في أن يفض الثوار اعتصامهم. وفي الوقت الذي كان يتم فيه قتل المصريين بدمٍ بارد كان عصفور يحلف القسم ويؤدي اليمين أمام الديكتاتور. عصفور الناقد المعروف، والأستاذ الجامعي الحالم دائماً بكرسي طه حسين، سبق له أن عمل مع فاروق حسني بين من ساهموا في الحد من وظيفة المثقف في المجتمع. ثم عين مبارك وزير طيرانه أحمد شفيق رئيساً لحكومة تسيير الأعمال، فاختار شفيق المهندس محمد عبد المنعم الصاوي وزيراً للثقافة بناء على ترشيح من الدكتور يحيى الجمل. وقد عرف الرجل بمشروعه الثقافي «ساقية الصاوي» الذي كان يعقد ندوات ثقافية وفنية، ويقيم ورشاً إبداعية، ليحدث انتعاشاً للثقافة، لكن عدداً كبيراً من المثقفين شن هجوماً حاداً عليه مشيراً بأن لا علاقة له بالثقافة سوى أنه ابن الكاتب عبد المنعم الصاوي وزير الثقافة الأسبق، كما أن له ماضياً في مصادرة أعمال إبداعية وعروض مسرحية قدمت في الساقية. ومن الانتقادات شديدة اللهجة التي وجهت للصاوي قراره بفصل قطاع الآثار عن وزارة الثقافة، وهو ما أدى إلى حرمان القطاعات الأخرى بالوزارة من نسبة العشرة في المائة التي كانوا ينالونها من محصلات الآثار. وخرجت مسيرات من مبنى اتحاد الكتاب إلى وزارة الثقافة تطالب بإقالة الوزير، وهو ما حدث بالفعل ليستقر الصاوي الآن رئيساً للجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان الحالي.
رحلت حكومة شفيق إجمالاً، وحلت محلها وزارة عصام شرف، الذي عَيَّن عماد أبوغازي وزيراً للثقافة، والغريب أن عماد أيضاً ابن لوزير ثقافة سابق. وكان عماد أميناً للمجلس الأعلى للثقافة (2009 – 2011) وعُيِّن وزيراً للثقافة في مارس/آذار 2011، وقد لاقى تعيينه ترحيباً كبيراً من المثقفين، حيث وضع في اعتباره نشر ثقافة الديمقراطية ودعم مشروع الدولة المدنية، وبدأ في طرح مشروع إيصال الخدمة الثقافية لفقراء مصر، محققاً شعارات الثورة الثلاثة: «كرامة، حرية، عدالة اجتماعية». لكنه واجه عدة أزمات أثناء توليه الحقيبة الوزارية، منها إقامة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي ألغى دورة 2011 بسبب مأزق التمويل، مما عَرَّضَه لانتقادات شَنَّها عدد كبير من الفنانين والنقاد السينمائيين. كما واجه أبو غازي عدداً من أزمات النقابات الفنية في مصر واعتصامات الأعضاء بسبب لوائح الأجور التي طالبوا الوزير بتعديل بعض البنود فيها، مع رفع الرواتب. وفوجئ أبو غازي أخيراً بأن الاستراتيجية الثقافية التي كان ينوي تجسيدها لن تبلغ أهدافها في ظل حكم عسكري يحاول بكل الطرق أن يوصد أبواب التنوير في وجه الشعب المصري، مما دفعه إلى تقديم استقالته بعد ثمانية شهور من العمل الوزاري احتجاجاً على أحداث شارع محمد محمود التي أوقعت 24 قتيلاً ومئات الجرحى في ثلاثة أيام، وخَلفَه في المنصب نفسه شاكر عبد الحميد، أستاذ علم النفس بأكاديمية الفنون، والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة ليصبح الوزير الثالث بعد سقوط مبارك. أولى الأزمات التي واجهت شاكر عبد الحميد ادعاء البعض بأنه دخل الترشيحات النهائية للحصول على جائزة الشيخ زايد للكتاب عن كتابه «الفن والغرابة» بسبب ترؤُّسه لوزارة الثقافة، وهو الأمر الذي نفته هيئة جائزة الشيخ زايد فور انتشار الشائعة. كما جاء معرض القاهرة الدولي للكتاب الـ 43 في حقبة شاكر، وطالب البعض بتأجيله نظراً للأحداث التي تمر بها مصر، لكن الوزير ذاته قدمه على موعده مطالباً المجلس العسكري ووزاة الداخلية بدعم المعرض وتوفير الحماية اللازمة له.
واستمرت في عهد شاكر الأزمات والاعتصامات من أجل تثبيت الموظفين غير المعينين بوزارة الثقافة وزيادة الرواتب، لكن الوزير وضع خطة لتعيين الموظفين على دفعات، وظل عبد الحميد لخمسة أشهر غارقاً في المطالب الفئوية لموظفي وزارة الثقافة، ويحسب له دفعه لعدد من الشباب المبدعين إلى عضوية اللجان الفرعية بالمجلس الأعلى للثقافة، لتتم الإطاحة به هو و4 وزراء أخرين بعد خلاف دار بين رئيس مجلس الشعب المنتمي للجماعة ورئيس مجلس الوزراء. فعاد إلى عمله كأستاذ في المعهد العالي للنقد الفني في أكاديمية الفنون.
وفي تعديل وزاري محدود، عَيَّن الجنزوري محمد صابر عرب، الرئيس السابق للهيئة العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية، وزيراً للثقافة في مايو/أيار 2012. تمثلت أولى القرارات التي أصدرها صابر عرب في إقالة الدكتور زين عبد الهادي رئيس هيئة دار الكتب والوثائق القومية، وتعيين ليلى جلال مشرفة على الدار بصفة مؤقتة، مما دعا لقيام موظفي دار الكتب والوثائق القومية بالاعتصام مطالبين الوزير بإعادة عبد الهادي إلى موقعه، وأضرب 15 موظفاً بالهيئة عن الطعام لإعادة عبد الهادي، لكن عرب تمسك بقراره ورفض رفضاً باتاً عودته، على الرغم من قيام وفد شعبي لحل الأزمة بين الوزير وعبد الهادي، والذي ضم الإعلامية والناشطة جميلة إسماعيل، ومنسق حركة كفاية جورج إسحاق، والناشر محمد هاشم، إلا أنه فشل في ثني الوزير عن العودة عن قراره. صابر يرى أن لديه استراتيجية جديدة لإعادة هيكلة الدار، تختلف عن الهيكلة التي وضعها عبد الهادي والتي هدفت لتطوير الدار وإلحاق عدة معاهد بها.
تسيَّد فاروق حسني وزارة الثقافة في مصر 23 سنة بدأها باستذكار عدد كبير من المثقفين بينهم الكاتب الراحل عبدالرحمن الشرقاوي، واستمرت المعارضة ضده حتى اليوم الأخير خصوصاً بسبب الكوارث والسرقات التي حلت بالآثار، بالإضافة إلى محرقة مسرح بني سويف، لكنه استطاع كذلك استتباع عدد كبير من المثقفين وأدخلهم – بتعبيره- إلى الحظيرة، وأقام شبكات فساد قوية، واستمر في منصبه مدعوماً من أسرة مبارك، وهكذا فإن 5 وزراء ثقافة في عام ونصف، وجدوا أنفسهم في مواجهة تركة مشبعة بالأزمات، واقتصرت وظيفتهم، في الأشهر الماضية، على مواجهة أزمات واعتصامات وافتتاح معارض ومهرجانات. وتبقى اليوم وزارة الثقافة في مصر حائرة تبحث لها عن وجود في ظل أنظمة قمعية ترفضها، وترى في المثقف وفي الطبقة المتعلمة إجمالاً تهديداً لها.
القاهرة- سامي كمال الدين
المصدر :مجلة الدوحة