
فى رحلة المرض
ببالغ الحزن والأسى اعلنت الاوساط الثقافية والفنية العراقية الحداد حزناعلى روح الكاتب والناقد المسرحي العراقي قاسم مطرود التي رحلت عن الدنيا في الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم الجمعة 7-9-2012،في احد مستشفيات لندن (Middlesex Manor Nursing Center) بعد رحلة شاقة ومضنية مع المرض العضال ومعاناة كبيرة قضاها بعيداً عن وطنه, في الغربة التي كانت تسد عليه الطرقات المؤدية الى الوطن، وطوال اشهر كانت عذاباته تتكلل بملايين الـ (سلامات قاسم) والدعاءات للشفاء من المرض الذي اجهده كثيرا وأبقاه رهين سرير العناءالمرير مستسلما للعلاجات التي لم تجد نفعا ولفحوصات الاطباء الذين يتسابقون مع المرض للحد منه والقضاء عليه، لكن الخاتمة لمسرحية عذاباته الاخيرة كتبت بعد منتصف الليل على واجهة صباح لندني مفعم بالضباب والعتمةوالحزن الذي راح يترك اشياءه على المكان فيما روح الراحل كانت تشرق من بين الضباب مشيرة لبغداد بالنعي والوداع.
رحل.. قاسم مطرود، الوسيم الوجه الجميل الروح الطيب القلب الحلو اللسان،المبدع بصمت والعاشق لحرفته بهدوء، الباحث عن الخلود بكتاباته وليس الهوس الاعلامي، رحل قاسم.. بعد ان انشغل على مدى اشهر طويلة بصراع مع الموت، كان يتصدى له بالتحديات الكبيرة، يتلاوى معه بارادة فولاذية،يتعكز عكازة البوح من انه لا زال حيا يرزق، حيا يقرأ، حيا يكتب، حيا يتباهى بحبه للحياةوشغفه بها، يشعر انه سينتصر على الموت وسيتعافى، لكن الموت كان يرغمه على ان يتمزق وان تتكاثر اوجاعه، وفي الجولة الاخيرة استسلم قاسم له ففاضت روحه لتسدل الستار على 51 عاما من عمره بعد فصل تراجيدي اخير.
قال الشاعر عبد الرزاق الربيعي في وداع صديقه قاسم : أي خبر حزين حملت لي الصديقة الشاعرة ورود الموسوي قبل قليل حين نهضت للصلاة فجرا!، اتصلت على غير عادتها والساعة كانت الثالثة بتوقيت لندن ,حزينة لتقول : قبل نصف ساعة رحل عزيزنا قاسم مطرود، أبهذه البساطة يرحل الجمال؟، الى رحمة الله الواسعة ياقاسم الرائع، سيندبك المسرح العراقي والقلوب والرياح،رحلت ومازالت كلماتك بأذني حين التقيتك وانت تسير على عكازك لتحضر امسيتنا بلندن قبل شهور قليلة خارجا من المستشفى :سانتصر على الموت ياعبدالرزاق، وهاانت تنتصر، ها انت تسخر منه، هاانت تضمن الخلود في قلوبنا.
فيما ودعه الشاعر عدنان الصائغ بكلمات قال فيها : وداعاً صديقنا الكبيرالفنان والانسان قاسم مطرود… في فجر الجمعة 7/9/2012، (الساعة الثانيةعشرة والثلث بعد منتصف ليلة الخميس) غادرنا؛ غادر أهله والمسرح والوطن ومحبيه، بعد صراع طويل وشرس مع المرض في المستشفى البريطاني Middlesex Manor Nursing Center. لكنه سيظل فينا مورقاً بعطائه وفنه.. شآبيب المطروالرحمة على روحه ومثواه، سيبقى ابداعك مضيئاً رغم عتمة أيامنا وضباب منافينا.
فيما نعاه اياد الزاملي بالقول : اصدقائي.. اصدقاء الكاتب الفنان قاسم مطرود : مات قاسم مطرود بعد سنين من مرض عضال، كان يقاومه بشراسة.. اتصل بي قبل اسابيع من رحيله، دائما كان يقول : سأهزم المرض يا اياد لا تقلق.. سأعيش رغما عنه.. سيقضي عليّ حتما، لكنه لن يقضي على ذكراي..!!،اتعلمون يااصدقائي ما يعني رحيل قاسم مطرود بالنسبة الى صديقته قبل ان تكون زوجته ” خالدة ” ؟، هو نفسها الصاعد قبل النازل.. هو حياتها، ماضيها، حاضرها، كل مستقبلها..،قاسم مطرود خسارة كبيرة للمسرح العراقي.. استطاع بجهده الشخصي ان يحقق نجاحا كبيرا وشهرة واسعة عربيا وعراقيا..
واضاف : اختصر قاسم مطرود بجملة واحدة : كان يحب زوجته بجنون، هي مصدرالهامه، هي سعادته الأبدية.. هي كل شيء في حياته،لم ترحل ياقاسم مطرود.. ذكراك حاضرة في قلوبنا ونفوسنا وقبل كل ذاك ستبقى حاضرة في ذاكرةعراقنا،احبك ياقاسم مطرود.. احبك، فانت نسمة من نسائم عراق الثمانينيات الذي غادرنا الى غير رجعة،اعزي العراق برحيلك.. اعزي زوجتك القديسةبغيابك.. اعزي كل محبيك بفقدانك.. اسكنك الله ياقاسم جناته الواسعة.
فيما ترثيه ابنة اخيه اية منصور بالقول : أجهل هوية الموت.. حتى أختطف روحك النقية ( عمو ) من بين احضان غربتك.. حينها افطنت لثواني معدوده. كم هو قاس هذا ( الموت ) وشرع لي الامل بأجنحة من سراب بأن خبر وفاتك أكذوبةتتلاعب بمشاعرنا.. وتتلذ بتعذيبنا..أيعقل رحيلك المفاجئ.. دون وداع..؟ووالدي ؟ لمن تركته وحيدا بين جدران الذكريات.. تعصف به أمواج الماضي ) الفقير بماله غني بصداقته بك )، الا تعلم بحاجته أليك ؟ فوالدتك تبكي حال أبي من بعدك،سحقت سعادة ألدار.. وأنتهت حكاية صداقة دامت سنين العمر، طفله صغيره لاتتذكر من طفولتها سوى العابها وبعض كدمات سقوطها من السلم..،هكذابدأت حياتي.. وهكذا بدأ حياته والدي.. من خلالك !، نشأ والدي في مدينه الثوره.. تلك المدينة ألتي أنجبت العظماء !،مع عبير ملامحك.. افترش اليأس طريقا بعيدا عن خطواتكم ونادى الامل صوتا من ندائكم..أحببتك (عمو ) منذصغري.. رغم أفتقاري لرؤيتك.. وحاجتي لمساندة يدك على كتف نجاح دربي.. الا أن أحاديث والدي عنك.. كفيلة بخلق وطن التفائل في نفوسنا..فكانت أمسياتك حاضره بيننا، كيف تواصلان طريق المعهد بضحكات سوية.. وترددان أقاويل السخاءبلا روية.. فتجلسان على ارض توغل القهر بجذورها.. وامتلأ الجوع سطورها.. فيحبس دموعه الزكية.. حين يسرد ذكرى زواجه وكيف ( كانت الزفه بسياره عموقاسم ) فأنحني ضاحكه.. بابا يعني عمو جان يركص ؟، فيجيبني قائلا : رقص حتى اهلك الرقص الضجر.. وقاسم لم يشعر بالضجر !! الان ارى والدي.. يبكي حتى شعرالبكاء بالتعب.. ووالدي لم يشعر بالتعب، ارهقتنا دموعك يا نقي..،أحزاننا لاتستوعبها السماء،فما تزال افكاري ( غير مستوعبة لفكرة ذهابك دون عودة (،اعذرني عمو لااستطيع رثائك،فأنت في نظري لم ولن تموت..،بل ستكن تلك الشمعة المضيئة في ظلام طرقاتنا..،وستبقى حاضرا دائما في قلبونا..، سلاما لطهر الثرى الذي سيحتويك.
سطور من السيرة الذاتية للراحل قاسم مطرود :
كاتب وناقد ومخرج مسرحي ايضا، وهو مدير موقع (مسرحيون) أول موقع عربي يعنى بالفنون المسرحية،ولد في عام 1961م ببغداد،وفي عام 1979م دخل معهد الفنون الجميلة ببغداد قسم الفنون المسرحية فرع الإخراج ثم التحق بأكاديميةالفنون الجميلة في عام 1994م ودخل في أكاديمية هلفروسام في هولندا وحصل على دبلوم في مجال الإعداد وتقديم وإخراج البرامج التلفزيونية وحصل على العديد من الشهادات التقديرية.
كتب العشرات من المسرحيات وطبع له العديد من الكتب مثلما اخرجت اغلبمسرحياته في العديد من البلدان العربية والاوربية ونال جوائز وشهادات تقدير كثيرة جدا، كما قام باخراج بعض من مسرحياته.
يقول : كانت بدايتي كشاعر ونشرت قصائدي في السادسة عشر من عمري وبعد دخولي معهد الفنون الجميلة اكتشفت منذ عام 1979 إنني اكتب مسرحا تبين لي في ذلك الحين إني كنت مسرحي ولست شاعرا ومنذ ذلك اليوم المسرح يأخذ وقتي وراحتي ويعطيني وأعطيه وبعدها أكملت دراستي في أكاديمية الفنون الجميلة لنيل شهادة البكالوريوس وخلال فترة دراستي كنت اكتب في الصحافة وكان عام 1980 الذي عرفت منه أنني املك مقدرة في النقد المسرحي وقد ثبت لي أكثر من عمود أسبوعي أتناول فيه المسرح وهمومه.
وأضاف :منذ كتابة النص الأول شعرت إن المسرح يستطيع أن يستوعبني أكثر من غيره وكنت في عمر احتاج فيه أن اصرخ وأقول شيئا ربما لتركيب كينونتي المعقدة وربما لموهبتي التي لم اعرف عنها شيئا كان المسرح وعائي الأوسع والأرحب،كتبت في النقد والتصقت بي فكرة الناقد المسرحي منذ عام 1979 وكتبت النصوص المسرحية إلا أنني لم افتح لها الأبواب إلا بعد شعوري ومعرفتي بنضجها، قدمت أول نص مسرحي عام 1997 بعنوان (للروح نوافذ أخرى) والذي قدم في الأردن أيضا ونال الكثير من الجوائز وبعد هذا النص لم يمر عام إلا ويقدم لي نص هنا أو هناك وترجمت نصوصي إلى العديد من اللغات منها (رثاء الفجر)الذي قدم في السلطنة وترجم إلى الهولندية ونص (الجرافات لا تعرف الحزن)ترجم إلى الهولندية ونص (عزف على حراك الجمر) ترجم إلى الفرنسية، هناك رسالتي دكتوراه على نصوصي المسرحية وثلاث رسائل ماجستير وهذا حملني مسؤولية أن احترم ما اكتب وأتخلص من الإنشاء في المسرح وان يكون نصي نصا راقيا فنيا جماليا.
وتابع : بعد وصولي إلى أوروبا وبالتحديد لاهاي في هولندا وتمكنت من المعرفة بعالم الانترنت ومعرفة الكثير عنه دون مدرس وإنما فضول معرفي قررت أن أصمم مجلة عن الانترنت يمكنها أن تستوعب كل النشاط المسرحي في الوطن العربي والذي حدث وأسعدني كثيرا أن مجلتي سبقتني إلى السلطنة وان أكثر من نص مسرحي قد اخذ منها وهذا دليل على أهمية المواد التي تحتويها بين طياتها وقدرتهاعلى إيصال المعلومات المسرحية الحقيقية للفنان المسرحي.
عبدالجبار العتابي من بغداد
المصدر : ايلاف 7 سبتمبر