
السينما تواجه شاغلات عصرنا
بغداد- الصباح
السينما وسيط تعبيري لايختلف كثيرا عن الوسائط الاخرى المكتوبة او المرئية، وسيلتها التعبيرية الكاميرا، وهي آلة محايدة يحركها العقل وتوجهها العين، وبالتالي السينما موقف، ولان الاديان عموما هي الحد الفاصل بين الخير والشر، الفضيلة والرذيلة، لذا وجدت السينما في الموروث الديني التوراتي والانجيلي، مرتعا خصبا سيرافقها على مدى مسيرتها التي تجاوزت القرن من الزمان.استلهمت السينما الحكايات الشعبية المتداولة والقصص التي تزخر بها الكتب الدينية اويتداولها الناس شفاها، سواء أكانت مسيحية ام يهودية؛ فاخرج الاخوان لومير (حياة وعذاب المسيح) في العام 1878 بعدها قدم ساحر السينما جورج ميليه (المسيح يمشي على الارض) وحينما اتسع الانتاج السينمائي اخرج غريفت فيلمه الكبير (تعصب) حيث شغلت مكابدات السيد المسح جزءا مهما من الفيلم لتختتم السينما الصامتة التي نطقت في العام 1927بفيلم (ملك الملوك) وهو واحد من أهم الأفلام في تاريخ السينما أخرجه مبدع الملاحم الكبرى في السينما سيسيل بي دي ميل، وفيه جسد الممثل الشهير أتش بي وارنر شخصية المسيح، حيث ظهر فيه يسوع قويا ومفتول العضلات، عكس ما هو معروف عن نحافة ومسالمة النبي عيسى )ع) ومع ذلك حقق الفيلم نجاحا غير مسبوق وشاهده العالم بفضل انتاجه الواسع والتلوين اليدوي.
سوق استهلاكية
انعشت السينما موجات التبشير الديني بفاعلية عجزت عنها المؤسسة الكنسية والجيوش الجرارة، ولان البلدان الاسلامية والعربية، سوق استهلاكية، لم تتمظهر فيها صناعة سينمائية، عدا القليل منها، فمثلا مصرامتلكت بنية تحتية سينمائية جيدة بفضل بناء استوديو مصر، والعراق امتلك (استوديو بغداد) اواسط الاربعينيات، مع فارق ان الاولى واصلت مشوارها، فيما توقفت عجلة الانتاج السينمائي العراقي اواسط الخمسينيات.
تطلع الجمهور في هذه البلدان لمشاهدة افلام تصور عقيدتهم وتتحدث عن سيرة الرسول الاكرم والصحابة الاجلاء؛ اذ توجس الناس خيفة من تاثير السينما على عقول الشعوب الاسلامية في اسيا وافريقيا، من ناحية، ومن ناحية اخرى وجد المنتجون في تلك الافلام الدجاجة التي تبيض ذهبا و تدر ارباحا مهولة؛ ما شجعهم على خوض غمارها؛ إذ بادر المخرج والمنتج التركي الاصل المقيم في فرنسا وداد عرفة الى اخراج فيلم يجسد فيه عميد المسرح العربي يوسف وهبي شخصية الرسول محمد (ص) الا ان الازهر الشريف والراي العام المصري، رفض المشروع جملة وتفصيلا، عادا ذلك خرقا للمقدس، ونجح المخرج ابراهيم عز الدين، باقناع المعنيين بسيناريو يتحدث عن البدايات الاولى للدعوة الاسلامية معتمدا على كتاب عميد الادب العربي المدوي (الوعد الحق) كان ذلك نهاية الثلاثينيات، ود. طه حسين يشغل منصب وزير التربية والتعليم العالي، ونجح الفيلم نجاحا كبيرا وآزره الازهر ووجد في هذا الوسيط فتحا جديدا وبابا يطل منه الاسلام على شعوب وامم لايمكن ان يصل اليها صوت الاسلام، وبذلك توالت الافلام الدينية او التاريخية مثلما يحلو للبعض تسميتها، فشاهدنا افلاما على بساطة اخراجها وتهلل نسيجها، الا انها ذات تأثير كبير على قلوب المشاهدين، نذكر منها: (ظهور الاسلام) 1951و(انتصار الأسلام) 1952و(بلال مؤذن الرسول) 1953و(الله اكبر) 1958 و(هجرة الرسول) 1959 و(فجر الاسلام) 1971.
مومو
ظل تأثير هذه الأفلام محدودا وفقدت بريقها، وصار عرضها في المناسبات الدينية والتأريخية محض استذكار، افلام اخرى استلهمت الموروث الديني والتراثي، كأسقاط دلالي على الحاضر المتردي، لتثويره اوإستنهاضه، فشاهدنا افلاما ذات قيمة فنية وفكرية، منها رائعة يوسف شاهين (الناصر صلاح الدين) و(الرسالة) للمخرج الاميركي والسوري الاصل مصطفى العقاد، الذي ساهم في نشر السيرة العطرة للرسول الاكرم وصورة الأسلام الناصعة التي ضببها الاغتراب عن النص القرآني، بفعل المتغير السياسي.انتشر الفيلم انتشارا واسعا ولاقى قبولا في شعوب لم تكن تعرف عن الاسلام شيئا، ثمة افلام اخرى انتجت في هوليوود، من قبل منتجين مستقلين تناولت موضوعة التآخي والتصالح بين شعوب الارض، مؤكدة على الجذر الاول للاديان، التي هي في جوهرها خدمة الانسان في الارض، بعيدا عن الدس المؤدلج والنظرة المتعالية للاسلام والمسلمين، ففيلم مثل (ازهار القرآن) الذي اخرجه الفرنسي فرانسوا دوبيرون، معتمدا على خبرة ودراية عمر الشريف، ليبث من خلاله تصوراته عن التآخي والتسامح.
مسلم ويهودي
الفيلم يحكي قصة متصوف مسلم (ابراهيم) صاحب متجر، يمتلك فهما وفلسفة ومنهج حياة، هي معادل موضوعي لكل تناقضات الحضارة الغربية وقسوة المدينة، ينجذب اليه فتى يهودي يعاني تفككا عائليا، اذ يهرب الاب من مواجهة الحياة تاركا الصغير يواجه الحياة لوحده، تتعمق علاقته بالعربي (ابراهيم مسلم من الاناضول) الذي يجد عنده، وهو المختلف عنه دينا، اجابة لكل تساؤلاته، يتآلفان ويتبنى ابراهيم موسى انسانيا، يصطحبه بسيارته الى تركيا، يموت هناك في وطنه، معلنا لمومو (موسى) انه سينضم للاتساع الكوني فهو جزء من هذا الكون الفسيح، يعود موسى الى فرنسا، ليجد ان ابراهيم قد ترك له كل مايملك، باعتباره الابن الذي قبل به ابا، يفتح مومو دكانة ابراهيم ويرتدي جلبابه وتدور الحياة واهالي الحي الباريسي يسمون (موسى) مومو العربي.
الفيلم عبر بشكل جميل وسلس عن وحدة الاديان، التي هي المعاملة الحسنة لاغير، فيلم اخر وفيلم المحارب الثالث عشر للمخرج جون مكتيرنان، المأخوذ عن رواية (اكلة الموتى) التي اقتبسها كاتب الروائع الاميركي مايكل كريشتون صاحب رائعة سبيلبيرغ (حديقة الديناصورات) مثل فيها انطونيو باندرياس.هذا الفيلم انصف الشخصية العربية والمسلمة، التي طالما وظفتها هوليوود بعنصرية واضحة.
حسن ومرقص
عربيا ثمة محاولات خجول للسينما المصرية، تناولت هذا الموضوع الشائك والضاغط في آن واحد،لاسيما بعد اثارة النعرات الدينية والطائفية، اذ اقدمت شركة جود نيوز على انتاج فيلم (حسن ومرقص) من اخراج رامي امام وبطولة عادل امام وعمر الشريف. الفيلم يتناول بمسحة كوميدية العلاقة التاريخية بين الاقباط والمسلمين، التي تسهم في وأد محاولة اثارة الفتن بين هذين المكونين المتعايشين منذ الاف السنين، فضلا عن افلام اخرى لكنها لاتمثل نسبة معتبرة في الانتاج المصري، ومع ذلك فان الاضطرابات العرقية والاثنية والدينية التي تعصف بكوكبنا الارضي، جعلت صناع السينما يوجهون بوصلتهم باتجاه تلك القضايا الساخنة.
الصباح22/9/2013