
د.عادل يحى عميد معهد السينما
عندما يسود الجهل فى أحد المواقع الثقافية فلابد أن تشعر راياته او قياداته ببعض الخجل من حين لآخر فتحاول التستر خلف أحد السماء البراقة التى لم تتلوث بروث ( الحظيرة الثقافية ) التى يحلو للبعض المقارنة بينها وبين ( حظيرة الاسلام) وهو ما تبجح به أحدهم منذ أيام للدفاع عن حظيرة الثقافة الى لم تعد تشرف من تنعم بمكافآتها وجوائزها وسفرياتها بعد أن اتضح للجميع أنها فعلا حظيرة ينطبق عليها وصف لسان العرب لها بأنها تضم البهائم والفراخ وراعيها هو الكلاف !!
ورغم أن الكلاف عادة ما يكون صاحب خبرة فيما يحتاجه سكان الحظيرة وأهم أركانها ومكوناتها ، إلا أن راعى حظيرتنا الثقافية قد أثبت مؤخرا أنه حتى لا يعرف المبادىء الأولية لإقامة حظيرة تليق بسكانها من المثقفين وهو ما ينطبق تماما على ( حظيرة أكاديمية الفنون ) التى شهدت منذ أيام عدوانا صارخا يثبت أن ( الجهل ) قد أصبح سيد الموقف فى الحظيرة ..
ظلت أكاديمية الفنون كمؤسسة تعليمية رائدة بعيدة عن أى تدخل لموظفى وزارة الثقافة وأعلن كل وزير للثقافة أن الأكاديمية ليست ادارة أو جهة انتاجية واعترف الجميع أنها كمؤسسة تعليمية لها قانون خاص هو قانون الأكاديمية الصادر فى بداية الثمانينات وهوالذى يحكم كل العملية التعليمية والأساتذة والطلاب ، لذلك ظلت مكانا محترما صعب الاختراق فى ظل سيادة القانون واحترم كل وزير نفسه وابتعد تماما عن التدخل فى شئونها فهى الجهة الوحيدة تقريبا لتعليم الفنون فى الشرق ولذلك ظلت منارة مشرقة تشرف كل من له علاقة بالفن فى عالمنا العربى ..
ومنذ عدة اسابيع وجهنا تحية اكبار وتقدير لوزير الثقافة فاروق حسنى عندما وقف بحزم أمام من حاول النيل من الأكاديمية فى مشكلة معهد السينما التى حاول اصحابها وأهاليهم الضغط على الوزير والحصول على بعض المكاسب غير القانونية ، وكان هذا موقفا مشرفا للوزير استحق من أجله الاحترام لأنه على الأقل مايزال هناك فى مصر من يدرك أن العملية التعليمية لا يمكن أن تكون فوضى تحكمها المصالح والأهواء التى تطيح بالقانون والأعراف الأكاديمية ..
ويبدو أن الرجل الذى اعتاد على إثارة الزوابع من حوله ، وكأنها مبرر وجوده فى الوزارة ، لم يسعده أن يقوم أحد بشكره لإلتزامه بالقانون ، وسرعان ما استسلم للجهل التقليدى فضرب العملية التعليمية فى مقتل بقرار ينم عن منتهى الاستهانة بالدراسة والتعليم ومجالس المعاهد المختلفة ومجلس الأكاديمية وكلها كما هو معروف تملك الامكانيات والخبرة فى الداخل والخارج التى تمنحها الحق فى أن تكون الجهة الوحيدة للتشريع والتنفيذ فى مجال دراسة الفنون ..
وكان القرار المعيب هو الغاء المواد التخصصية فى معاهد الأكاديمية ، وهى المواد العملية اللازمة لتكوين الفنان وبدونها يصبح لدينا فقط (متخصص وهمى) ، ولذلك كانت اللوائح المختلفة تنص على ضرورة نجاح الطالب فيها وتحقيق نسبة الحضور القانونية ، وبذلك القرار تصبح المواد التخصصية مثل المواد النظرية ولا فرق بينها ، وهو ما يشكل حالة اهدار واضح ليس فقط للعملية التعليمية ولكن ايضا لجهود مئات الأساتذة والعلماء خلال عشرات السنين وعلى رأسهم أهم مساعد للوزير نفسه رئيس الأكاديمية السابق الدكتور فوزى فهمى صاحب أشهر لوائح للأكاديمية التى تتسابق المعاهد العربية المختلفة والمصرية للحصول على شرف الإقتراب منها حتى تكتسب مشروعية ، ولكن هذا القرار المتسرع والغريب جاء ليقتل هذه الميزة أيضا !!
الغريب أنه فى قبل صدور هذا القرار المعيب بأيام حرصت الكويت على انشاء أكاديمية الفنون ولائحة الدراسة فى المعهد العالى للفنون المسرحية بعد جهود مضنية بذلها وزراء التعليم العالى فى الكويت الدكتور رشيد الحمد وزير التعليم العالى السابق وسفير الكويت فى مصر الآن والدكتورة نورية الصبيح والدكتورة موضى الحمود ونصت اللائحة ، اتباعا لأكاديمية الفنون المصرية والمؤسسات التعليمية المماثلة ، على أن تكون المواد التخصصية على رأس المواد الدراسية فى تعليم الفنون وبدونها تفقد العملية التعليمية أهم خصائصها .. ثم بعد كل ذلك جاءت مصر لتقوم بالغاء المواد التخصصية فى اكاديمية الفنون وأصبح الوضع أن العالم من حولنا يتقدم بينما يصر البعض منا على التخلف والجهل !!
الحقيقة الأكيدة أن هذا الجهل لا يمكن أن يستمر لأنه مجرد ارضاء لبعض اصحاب المصالح فى معهد السينما ، ولن يستمر لأن منطق أبو جهل لا يمكن أن يسود فى اكاديمية الفنون وهى المؤسسة التعليمية الرائدة مهما كان الواقع الثقافى مترديا ..
كان هذا الأمر والمقال .. قبل الثورة .. واليوم لابد أن يكون الدكتور عادل يحى عميد معهد السينما سعيدا على الأقل لأنه يكون مضطرا للخضوع لمنطق وقانون ( أبو جهل) الذى إعترض عليه من قبل الثورة ..
د. حمدى الجابرى