
سوسن بدر
عن النهضة والإخوان والوعود الكاذبة..
و كعادتها تألقت سوسن بدر وإن بدا الفارق كبيرا في الأداء بين شخصيتي شجرة الدر وجارتيها صهباء وهو ما يمكن قبوله مع فكرة تماهي الجارية المخلصة في شخصية سيدتها، ويشاركها البطولة الفنان الكبير أحمد راتب في دور الخليفة المستعصم ، المحروس المتعالي ،والذي انطلقت تعليقاته الساخرة على طائرالنهضة والإخوان، كما قام بفتح ردائه أكثر من مرة على غرار فتح مرسي الجاكت في التحرير، ومجدي رشوان المتألق كعادته في دورعز الدين أيبك ولقاء سويدان و شادي سرور في دور الوزير ابن العلقم .
قدم العرض مجموعة متميزة من الشباب على رأسهم أحمد عثمان في دور هولاكو و السكير في الحانة ووليد الهندي ،أحمد يوسف ، عمرو بهي ، إسماعيل جمال و محمد عبد العزيز الذين فجروا الضحكات طوال العرض و حققوا قدرا كبيرا من حيوية الأداء، وقدم الفنان حمدي حسين دورالباحث عن الحذاء الذي استخدم كثيرا في إيفيهات عن الخليفة.
قدم الشاعر سامح العلي أشعارا ساخرة ، لاذعة في جرأتها و دقيقة في تعبيرها و تلخيصها لرسالة العرض ووصل ماضيه بحاضره ، منها أغنية مشهد الفتوى وأغنية تنصيب الخليفة في اللعبة المسرحية في الحانة، قام بالتلحين والغناء سامح عيسي وشاركت الفنانة لقاء سويدان بالغناء، وكذلك أغنية للفنان أحمد راتب، وساعد كون الأحداث تدور في حانة على اندماج الاستعراضات والأغاني في نسيج العرض، وظهرت الفنانة لقاء سويدان في دور الجارية بالحانة في أحسن حالاتها غناء و استعراضا وتمثيلا حيث أتاحت لها اللعبة المسرحية أداء عدة أدوار، وأظهرت قدراتها على تقديم الكوميديا الخفيفة وعبرت الاستعراضات رغم بساطتها و الملابس التاريخية الطابع و من خلال حداثة التصميم عن الجانب العصري للحكاية ،و قدم الدكتور محمد سعد ديكورا اتسم باستخدام موتيفات من الفن الاسلامي ،وحقق جمالا بصريا للمشهد و سلاسة في علاقة الممثلين بالديكور وفي تصميمه لعرش شجرة الدر استخدم تيمة ريش الطاووس الذي اشتهرت بعشقها له في تصميم خلفيته.
رحلة العرض في الزمن كما يقول مؤلفه أبو العلا السلاموني تأتي بحثًا عن حكمة التاريخ وكشف لمفارقاته العجيبة ، تشغله المفارقة بين شجرة الدر الملكة المنتصرة على الغزو الصليبي و الخليفة المستعصم بالله الذي هزم أمام التتار ، ففي حين وقفت ملكة مصر في وجه الحملة الصليبية السابعة ، أخفت نبأ وفاة زوجها آخر ملوك الدولة الأيوبية ، الملك الصالح نجم الدين أيوب، ورفضت الاستسلام او التفاوض على تسليم القدس مقابل رحيل الحملة عن مصر و أصرت على رفض الاستسلام و التفريط ، فإما النصر أو الشهادة، وتمكنت من تحقيق النصر وأسر ملك فرنسا لويس التاسع في معركة المنصورة وإجباره على دفع الفدية ، فيما فشل الخليفة المستعصم في ذات الاختبار وأعماه غروره فهزم أمام غزو التتار الذين اجتاحوا بغداد وأنهوا حكم الدولة العباسية ، وتكتمل المفارقة التاريخية ، وفيما حاصر الخليفه العباسي شجرة الدر، واستقوي بفتوى دينية لتحريم حكم المرأة، يحمله العرض وزر ما تلا قراره من اضطرابات في مصر بداية من زواج شجرة الدر من وزيرها عز الدين ايبك ليكون واجهة تحكم مصر من خلاله و ما ترتب علي ذلك من مؤامرات و اغتيالات و صراعات .
نقل المخرج شادي سرور الصراع الي مستوي ما نعيشه اليوم، فما اشبه الليلة بالبارحة في لعبة استغلال الدين في السياسة ،ففي مشهد الفتوى نجد زجاجات الزيت وأموال الرشوة و في مشهد قتل الملك المعز عز الدين أيبك في الحمام نراه في شاشة خيال الظل في تواليت عصري يدخن السيجارة و يقرأ الجريدة.
و دمج بين عدة ألعاب مسرحية ، ففي العرض مسرحية داخل المسرحية ، في حكاية جارية شجرة الدر الوفية (صهباء( التي تهرب إلى بغداد عندما قتلت سيدتها و تفتح حانة تقدم فيها مسرحية حول مصرعها لتدرأ عنها محاولات تشويهها بعد وفاتها، ثم لعبة تنكر الخليفة المستعصم ووزيره متخذين اسمي المحروس والمفروس، لينزلا للمدينة للتعسس على حال الرعية و يذهبا إلى حانة صهباء ويشاركا في لعبتها المسرحية .
وفي النصف الثاني من العرض يظهر شبيهين للخليفة ووزيره يشاركان أيضا في لعبة صهباء المسرحية وفيها يدعو شبيه الخليفة -وبديله الذي يتم استخدامه لحماية حياة الخليفة- إلي إعادة صياغة أحداث اللعبة بالحب لكنه سرعان ما ينقلب على ما قاله و تتلبسه شخصية الديكتاتور-الخليفة- المحروس، ليخلص العرض إلى أنه لا فرق بين المحروس والشبيه أو البديل ، ولك كمتفرج أن تعتبر المحروس و شبيهه من تشاء، ولن تكون بعدت كثيرا عن رؤية المخرج الذي اكتفي في بامفلت العرض بإعلان ثقته في متفرجه متمنيًا أن تصله رسالته .
انتصار صالح
البديل22 فبراير 2013