أ.د. حمدى الجابرى
مهرجان الخليج المسرحى كان الأمل فيه عظيما عندما إقيم لأول مرة عام 1988 ، ثم أفاق الجميع فجأة منذ عام 2009 أى بعد أكثر من عشرين سنة ليكتشفوا أن المهرجان لم ينجح فى تحقيق أهدافه حتى الآن !!
هذا المهرجان تنظمه منذ يومه الأول لجنة إنشئت من أجله تتبع مجلس التعاون الخليجى ولها كل إمكانيات دول مجلس التعاون الخليجى المادية والمعنوية الكبيرة ، ولذلك كانت أهداف المهرجان المعلنة بنفس حجم هذه الإمكانيات الكبيرة .. حتى يتم الصرف على المهرجان من ميزانية مجلس التعاون الخليجى الكبيرة .. وأهم هذه الأهداف تطوير العروض المسرحية فى دول الخليج والنهوض بالفرق الأهلية الخليجية وغيرها من الأهداف الكبيرة التى من أجلها وافق وزراء الثقافة فى إجتماعهم فى عمان على المهرجان لتتم إقامته كل عامين فى أحد بلدان الخليج .. وهو ما قد تحقق بنجاح كبير من حيث إستمرار المهرجان وإن كان لم ينجح حتى الآن فى تحقيق أهدافه لأسباب كثيرة منها أن المهرجان لم يتجاوز فكرته النبيلة حتى اليوم !!
منذ البداية تم إنتخاب لجنة دائمة للمهرجان ، كما تم إنتخاب الدكتور إبراهيم غلوم رئيسا لها، وإستمرت اللجنة فى التخطيط للمهرجان والإشراف على التنفيذ منذ المهرجان الخليجى الأول فى الكويت عام 1988 .. وبالطبع كان لهذه اللجنة التى تحمل إسم ( مجلس التعاون ) كل مميزات (المجلس ) ، فهى تعقد إجتماعاتها فى ضيافة إحدى الدول الخليجية الشهيرة بكرم الضيافة ، وتقوم اللجنة بمنح هذه الدولة أو تلك شرف إقامة المهرجان على نفقتها وليس على نفقة ( المجلس ) ، وبالطبع لهذه اللجنة الحق فى تقاضى المكافآت الشهرية أو السنوية مقابل عملها الذى ظل فى إطار الأسرار التى لا يعلمها أحد ليرى الجميع فقط نتائج عملها فى المهرجان الذى يقام بإنتظام .. وبالتالى كان من المنطقى ان يكون للمهرجان نفس السمات والأفكار والأساليب وكذلك الأهداف البراقة المعلنة رغم عدم تحققها .. أيضا منذ المهرجان الأول .. ومع ذلك لم يفكر ( مجلس التعاون الخليجى ) فى إجراء أى تغيير أو إضافة أو تعديل فى اللجنة أو خططها المعلنة وإستمر الحال على ماهو عليه منذ سنوات طويلة دون أى تداول للسلطة داخل اللجنة حتى بين الأعضاء من دول مجلس التعاون الخليجى إكتفاءا بترشيح كل دولة لممثلها ، وهو ما أدى إلى أن تسخر الناقدة الكويتية الكبيرة ليلى أحمد من الأمر برمته بتغييرها إسم (مجلس التعاون ) إلى ( مجلس التهاون ) بسبب أخطاء اللجنة المتكررة .
والحقيقة أنه إذا كان تداول الأفكار والمراكز والسلطة ، فى المسرح على الأقل ، أمرا محمودا تطالب به عادة المسرحيات والتجمعات الثقافية والأفراد ، لذلك كان من الواجب ان يعيد مجلس التعاون الخليجى النظر فى أمر اللجنة ونشاطها وإنتاجها وتكوينها خاصة مع توالى ظهور وإستمرار ( مشاكل) المهرجان الخليجى وهو النشاط الأبرز والوحيد تقريبا لهذه اللجنة ولكن ذلك لم ولن يتحقق ببساطة لأن المجلس نفسه لا يعترف حقيقة بالمسرح ومهرجانه الخليجى الأول أو العاشر رغم أنه يقام تحت إسم ومظلة ( مجلس التعاون الخليجى ) .. والدليل هو أن موقع المجلس الرسمى على النت لا يسجل أى نشاط للجنة التابعة له بل وحتى إسمها لا وجود له .. والأكثر أن يتعمد أصحاب الموقع الرسمى التعتيم على هذا النشاط الهام ولجنته لأنه بالبحث فى الموقع عن اللجنة ونشاطاتها ومطبوعاتها لا يقوم الموقع صراحة بالإعتراف بعدم وجودها وإنما يتعمد تأكيد وجودها فى مكان يحدده ويحيل الباحث إليه .. وسرعان ما يكتشف المرء أنه مجرد إرشاد مضلل عندما لا يخرج من الموقع الرسمى بأى نتيجة بشأن المسرح الخليجى ومهرجانه ولجنته الدائمة !!
ولا شك أن أهل المسرح واللجنة ، وهم أدرى بشعاب المسرح الخليجى ومهرجانه ولجنته الدائمة ، كانوا أول من يعلم أن الأمر والمهرجان نفسه لا يمكن أن يستمر بنفس الوتيرة إلى الأبد ، لذلك أقاموا هذا العام بمناسبة مرور عشرين سنة على بداية مهرجان المسرح الخليجى ندوة بعنوان ( المهرجان .. الواقع والمستقبل ) من المفترض أنها تتناول المهرجان وإنجازاته ومشاكله وطرق حلها بجانب الرؤية المستقبلية له فى ضوء الخبرة المتراكمة خلال التجربة الطويلة التى مر به المهرجان والمسرح الخليجى نفسه وفرقه الأهلية التى تحمل اللجنة إسمها .. ولكن ما تم طرحه خلال الندوة التى شارك فيها أصحاب الأسماء الكبيرة والقديمة ( عبد العزيز السريع – الكويت ، موسى زينل – قطر ، والدكتور إبراهيم غلوم من البحرين ) الذين ساهموا بقدر كبير فى إقامة المهرجان واللجنة ذاتها . وللأسف لم يكن ما قاموا بطرحه فى الندوة أكثر من إعادة تذكير بالظروف التى صاحبت إنشاء اللجنة والمهرجان مع خوف ضمنى على إستمرارالمهرجان !!
أما الدكتور إبراهيم غلوم الرئيس الأول والدائم لهذه اللجنة منذ إنشائها فقد كان من المنتظر أن نتعرف على المهرجان من خلال حديثه عن (المهرجان .. الواقع والمستقبل ) خاصة وأن ذلك هو عنوان الندوة ، وبالطبع لا يوجد من هو أكثر خبرة منه فى هذا الأمر ، ولكن مع نهاية حديثه لابد أن ندرك حقيقة واقع ومستقبل المهرجان الضبابية ، فهو ينتهى بعد السرد الطويل إلى القول (الآن نسأل أنفسنا ما المتغيرات التي طرأت على هذه التجربة ؟ وهل يمكن تطوير التجربة ؟ وما مستقبلها ؟) وكلها أسئلة
( يتبع )
(المقال كتب بعد مهرجان 2009 .. ومنذ ذلك الوقت لم يحدث تغيير يستحق الذكر )