د. حمدى الجابرى
عندما تفوز فرقة مسرحية حكومية بجائزة مالية صغيرة أو كبيرة في مهرجان إحدى الدول الدول العربية يتم حرمانها منها في مصر.. بحكم القانون .. حيث لابد أن تذهب الى خزانة الدولة لأسباب قانونية مثلما حدث مع الجائزة اليتيمة لمسرحية بدر البدور منذ سنوات والطوق والاسورة منذ أسابيع .. وبذلك ضاع عليهم حتى أمنية بعضهم المعلنة .. الغناء للوزيرة ولزملائهم والناس .. معانا ريال .. معانا ريال ..
الحقيقة ان الأيام والسنين أثبتت أن حصول احدى الفرق المسرحية المصرية على جائزة أحد المهرجانات العربية من الأمور نادرة الحدوث ، فرغم كثرة مشاركات الفرق المصرية في مهرجانات المسرح العربية فان ماتعود به هذه الفرق عادة ليس أكثر من خفى حنين في شكل ورقة ملونة يسمونها شهادة مشاركة ليلعب النقد المستأجر والاعلام المنبطح دوره في إخفاء الحقائق ، بينما تذهب الجوائز الحقيقية وبالذات جوائز الدول العربية الغنية الى المرضى عنهم من الأفراد والفرق أو حتى الدول للوصول الى تحقيق أهداف ليست فوق مستوى الشبهات .. أحيانا ..
وإذا كان على المستوى السياسى ظلت قضية التمويل الأجنبي للمنظمات والجمعيات والشباب محل أخذ ورد وتحقيقات وقضايا بل وضغوط ووساطات دولية أحيانا فانها على المستوى الثقافي وبالذات المسرحى لم تحظ بنفس القدر من الاهتمام .. و .. التحقيقات والمحاكمات رغم أنها لاتقل عنها أهمية وخطورة ان لم تزد فقط لأنها ترتدى أجمل الحلل من العبارات البراقة المزينة بكل أشكال التزيين عن الإخوة والتعاون والتطوير والوحدة .. العربية ..
وهنا لابد من الاعتراف بأثر غياب السياسة الثقافية المعلنة في مصر والتي من الواجب إعلانها والعمل على تنفيذها وفق خطط ومدد زمنية محددة لتحقيق أهداف واضحة .. وكلها أيضا معلنة لا يجوز التكاسل أو الانحراف عنها .. على الأقل حتى لا يترك شبابنا فريسة للأثرياء من كهنة المهرجانات العربية و صبيانهم وحتى لا يتصور البعض أن الدولة قد تنازلت عن جزء من سيادتها عندما تركت للأجانب إختيار العروض المسرحية المصرية المشاركة في مهرجاناتها وإدعاء عدم المعرفة بتستر بعض الجهات الأجنبية وراء لجنة مصرية للإختيار وكأنها بريئة من الذنب الذى وصل ذات يوم إلى فضيحة الادعاء بعدم وجود عروض مسرحية مصرية ترقى لمستوى المشاركة في مهرجانهم .. المسرحى !!
وبالطبع أيضا في ظل غياب الدولة وسياستها الثقافية المعلنة وإدعاء ضيق ذات اليد والظروف الاقتصادية وأولويات الصرف … الخ كان لابد أن يجتهد الشباب كل بطريقته للحصول على دعوة مشاركة في أحد المهرجانات ومايترتب عليها من نتائج لم تكن ذات يوم في صالحهم أو صالح المسرح والثقافة المصرية ..
وهنا لابد أن نلتمس لهم العذر ليس فقط لكل ماسبق ولكن أيضا لأنهم يرون بأنفسهم تنازل الأكبر منهم سنا من الأساتذة والدكاترة والنقاد ذلك التنازل المهين الذى وصل الى ذروته في جريمة سرقة مفضوحة لجزء من تاريخ المسرح المصرى بل وسبهم والنيل منهم وفى قلب القاهرة دون أن تتحرك الوزارة المعنية بالحفاظ على ثقافة مصر وحمايتها من الذين يعملون بكل جهد على تقزيمها منذ سنوات بعيدة خاصة بعد أن تم الكشف عن اللصوص وفضح صبيانهم انفسهم سواء بالصمت أو التبرير الهزيل وأحيانا السخيف ..
وبالطبع وسط كل هذا الهزل اللا ثقافي وإدعاء الغفلة والحرص على تطبيق القانون وتعليمات وزارة المالية وكأن الجوائز الكثيرة ( المتلتلة ) مصدر دخل هائل للدولة ، لابد أن تضيع الجائزة اليتيمة على مستحقيها الحقيقيين أي الفائزين بها .. وهو ما حدث مع بدر البدور والطوق والإسورة .. !
وبعيدا عن الصور والسفريات والاستقبالات واللقاءات والابتسامات اذا كان صرف قيمة الجائزة لأصحابها ليس في يد وزيرة الثقافة المكبلة بتعليمات المالية فانه يمكنها على الأقل عمل مايلى :
1- – صرف مكافأة للعاملين في المسرحيتين من ميزانية الوزارة تعادل قيمة الجائزة أو نصفها أو جزء معتبر منها .
2- – دراسة إمكانية تطبيق النظام المالى المتبع في قطاع الفنون الشعبية التابع لوزارتها على الفرق الفائزة في هيئة المسرح التابعة لوزارتها .
3- – مخاطبة وزارة المالية لإستثناء هذه الجوائز اليتيمة ومثيلاتها من تعليماتهم.
وأظن انه سيكون من الصعب اقناع الوزيرة بان الميزانية لا تسمح أو نفاذ البند أو عدم إمكانية النقل من بند الى بند أو غيرها من الحجج التي لا تظهر عادة مع أية مكافآت لأفراد أو لجان أو اجتماعات أو غيرها .. للإداريين سواء في مكتبها أو بقية القطاعات .. أو على الأقل تقتطعها من مساهمات من الوزارة فى المهرجانات التي لا تقيمها الوزارة سواء لعجز أجهزتها أو لمآرب أخرى ..
وبالمناسبة .. ربما يكون لهذا الأمر ومايترتب عليه من تنافس محتمل بين المبدعين اثره في تحررهم من عبودية الدعوات ووصولية المشاركات والاسترزاق بالمهرجانات ، بل وربما يكون فيه بداية حقيقية لإستعادة بعض ماضاع من مكانة مصر الثقافية .
فهل تفعلها وزيرة الثقافة ولو من أجل إسعاد من فاز بالجائزة وبالطبع لن يغفلون حقها في الشكر والغناء لها .. معانا ريال .. معانا ريال .. ووزيرتنا عال العال ..