
الفنان الراحل حسن عبد الحميد
بعد أن غابت عشرين عاما فى الروتين
تعيد للمسرح الرسمى احترامه المفقود
( حلم يوسف ) المسرحية التى كتبها بهيج إسماعيل بعد هزيمة 1967 ، وجدت الفرصة لأول مرة للعرض الجماهيرى فى أواخر عام 1986 بعد أن ظلت طوال هذه الفترة أسيرة جدران ومكاتب هيئة المسرح الرسمية ، وأيضا طوال تلك الفترة لجأ مؤلفها إلى القطاع الخاص الذى يقـدم مسرحياته فور كتابتها لا بعد تخزينها لأكثر من عشرين سنة .. وهذه أيضا إحدى آفات الأجهزة البيروقراطية فى مسرحنا المصرى .. ونفس الشىء مع مخرج المسرحية حسن عبد الحميد الذى نسيه المسرح الرسمى كمخرج فاتجه بكل طاقته الإخراجية إلى شباب الجامعات يقدم معهم تجاربه دون حاجة إلى الوقوف على مكاتب مديرى المسارح ، وبالفعل سبق له تقديم نفس المسرحية ( حلم يوسف ) بشباب الجامعة وفازت بالمركز الأول فى مسابقة الجامعات .. أى إننا أمام مؤلف صاحب مكانة فى المسرح الخاص ومخرج صاحب مكانة فى المسرح الجامعى ، ومع ذلك أضاعهما المسرح الرسمى لأكثر من عشرين سنة دون وجه حق رغم إمكاناتهما الكبيرة كل فى مجاله ..
وحتى نشعر بالأسى فعلا من أجلهما ، وأيضا حتى ندرك مدى الخسارة الناتجة عن بعدهما عن مسرحنا الرسمى ، أتاحت الظروف الفرصة لمسرحيتهما ( حلم يوسف) الخروج للناس وسط بقايا آثار حريق مسرح محمد فريد الذى ظل على حاله منذ أربع سنوات لم تمتد إليه أى يد بالإصلاح حتى كادت تنساه الناس رغم أنه كـان منارة ثقافية حقيقية فى الستينات ، خرجت منه أهم مسرحيات الفترة ، وأول مجلة مسرح متخصصة وأهم ندوات ودراسات علمية لفن المسرح .. وكل ذلك التاريخ المشرق لم يشفع لهذا المسرح الـذى احترق فى عرض مسرحية ( روض الفرج) ، التى أخرجها كرم مطاوع ، ولم يفكر أحد فى إعادة إصلاحه وتشغـيله حتى جاء عبد الغفار عودة وأنفق عليه ألف جنيه فقط وجعله صالحا للعرض فى أسبوعين .. فماذا قدم أصحاب ( حلم يوسف ) وسط بقايا المسرح المحترق ، أى الذى بلا إمكانات سواء على الخشبة أو فى الصالة ؟!
باختصار لعبت المسرحية على كل ذلك لتأكيد قيم مهمة طال غيابها عن المسرح مثل الحق والخير والجمال والعدل والظلم . وقد لجأ المؤلف لاستعارة قصة سيدنا يوسف بعد مزجها بالموروث الشعبى ليقدم منهما معاً صياغة درامية جديدة تغلب عليها المسحة الدينية ، وتسيطر على ثناياها روح الشاعر المحلقة فى سماء الحلم الذى يربط بين يوسف البطل الدرامى فى المسرحية والسنوات العجاف التى أصابت الزرع والضرع فى القصة ، فقد تعرض البطل الدرامى مثله لظلم فادح كان لا بد من وجود عقاب رادع لمرتكبيه… وهم فى المسرحية عثمان شرير القرية التقليدى الذى تعاون مع شيخ القرية المصمم على الاستيلاء على أرض يوسف وفاطمة بعد مقتل والد يوسف ووفاة والدة فاطمة وبعدها تحول المالكان إلى أجيرين يعملان فى أملاك عثمان وشيخ القرية التى هى أملاكه فى الأصل … وحتى لا يقدم المؤلف مسرحية تقليدية ، يضع أبطاله فى مشهد حلم مبكر تحلمه فاطمة عن ضياع حبيبها يوسف تتجسد لها فيه ( النداهة) لتحذرها من الأيام المقبلة وضرورة النظر فى سبعة بحور لتتخلص من شرور الحياة وذنوبها ، وتستيقظ الفتاة البريئة لتكتشف أن يوسف ما زال حيا وإن كانت مع الجمهور قد توقعت أن تأتى الأيام بما لا يهوى العشاق .. وسرعان ما يتحقق ذلك التوقع بمؤامرة عثمان مع شيخ القرية بادعاء أن فاطمة ويوسف أخوان فى الرضاعة ، ولكن هذا أيضا لا يكفى للتفرقة بين المحبين فيطرد عثمان يوسف من أرضه دون أى ذنب جناه غير أنه محب لفاطمة التى قرر عثمان الاستيلاء عليها لتنجب له طفلا طال اشتياقه إليه ولم يحصل عليه رغم زيجاته الكثيرة .. وبنفس اليد التى قتلت والد يوسف يقتل عثمان يوسف نفسه ليخلو له الجو مع فاطمة ، ولكن الدماء لا يمكن أن تنبت الحب إذ سرعان ما تجدب الأرض لسبع سنوات تماما كما تنبأت النداهة للشيخ إمام الذى ما أن تبدأ بوادر جدب الأرض حتى يتيقن أن الشر مستطير ولن يوقفه غير عودة يوسف ، ولكن هيهات لمن ذهب إلى العالم الآخر أن يعود فيصاب الشيخ إمام بحالة دروشة يرفض خلالها الشر وعثمان ولا يحيا إلا بأمل فى عودة يوسف الذى ذهب معه الخير والسلام والبركة .. ألم أقل إنها أنشودة حب؟!!. ورغم زواج عثمان من فاطمة فإن السنوات تمر دون أن ينجب أى طفل وكأن الجريمة لا يمكن أن تأتى بخير حتى السنة السابعة عندما تظهر روح يوسف لفاطمة فتحمل منه ليجن القاتل عثمان..
و .. يبقى التساؤل المشروع قائماً : إذا ما كان نجوم المسرح الشبان يملكون كل هذه الإمكانات فلماذا يضيع العمر دون أن تتاح لهم الفرصة لإثبات وجودهم الفنى ، ذلك رغم الشكوى والتباكى الدائم على ضياع المسرح المحترم ، رغم أن صناعه بيننا .. فقط تنقصهم الفرصة التى لن يحصلوا عليها أبدا من المستفيدين من بقاء المسرح على ما هو عليه ؟!
د. حمدى الجابرى
القبس – الكويت 22 / 12 / 1986