
فاروق حسنى ومحمد صبحى
د. حمدى الجابرى
أثارقرار فاروق حسنى تعيين الفنان محمد صبحى مستشارا له لشئون المسرح الكثيرمن القيل والقال والتفسير الذى يحمل معالم الدهشة والإستنكار بين صفوفالمسرحيين لأن محمد صبحى لا تربطه أى صلة بالمسرح الرسمى الحكومى والحكومةنفسها ، كما أنه لم يكتسب أى خبرة عملية بأساليب التعامل مع اللوائح والنظمالمالية والإدارية الحكومية التى تطبق على أنفاس المسرح الحكومى ، كما أنهلن تكون له أى صلاحيات عملية لتعديلها وتصويبها أو على الأقل وضع آرائه ” الاستشارية ” موضع التنفيذ ..
والحقيقة أن الوزير له كل العذر فى اصدار هذا القرار بحثا عن حل لمشاكل المسرح الحكومى المزمنة التى لاشك أنها قد أرهقته كثيرا بعد كل هذه السنوات الطويلة من الصداع الملازم له بسبب تدهور المسرح وعدم تمكنه من اصلاحه فضلا عن الصوت العالى لأصحابه الذين يشيرون كل وقت الى أنه قد تدهور إن لم يكن قد مات فى عهده ..
كما أن الوزير له كل العذر أيضا لأنه انتدب للمسرح كل من رشحوه له لكى يقيله من عثرته خلال السنوات الطويلة ، ومع ذلك ظل المسرح يسير فى طريق الهاوية دون أن ينجح أحد فى وقف انحداره ، أو على الأقل تعديل مساره ، رغم كل الملايين التى تصرف عليه سنويا فى صورة مرتبات وأجور ومكافآت وتكاليف انتاج لمسرحيات معظمها لا يشاهده أحد بسبب انقطاع الصلة بين هذا المسرح والجماهير لدرجة اصبحت تقدم فيها العروض المسرحية للكراسى الخالية بعد أن ابتكر ” زبانية ” هذا المسرح الحكومى بدعة قطع تذكرة واحدة بجنيه ليصبح من حق الواحد منهم الحصول على ألف جنيه يوميا بدعوى أن هذا من حقه كأجر مستحق ، وقد وصل هذا الادعاء الى الكذب الصريح عندما تمت مقارنة المسرح بالمدرسة التى لا يمكن اغلاقها لعدم حضورالتلاميذ ، والقطار الذى لا يمكن وقف تسييره لعدم وجود ركاب .. هذا الكذب الصريح يكشفه أن انشاء المدرسة فى صحراء جرداء فى منطقة مهجورة لا يعنى حتمية اقبال التلاميذ ، كما أن القطار الذى يسير بلا غاية أو هدف وليس له محطة وصول لابد أن يهجره الركاب .. وهكذا صار المسرح الحكومى مهجورا بعد أن صار بلا هدف أو خطة أو محطة وصول ..
وبعيدا عن اعتراض وتشكيك كبار السن فى أسباب وأهمية وجدوى القرار ، ومعهم الذين يرون أن الوزير قد أقدم على اصدار هذا القرار لإسكات محمد صبحى الذى يهاجم الوزير والوزارة كثيرا بسبب تردى المسرح الحكومى فى مصر وكأن الوزير يقول له بدلا من أن تفضح الوزارة بآرائك الصادمة فى وسائل الاعلام قلها لنا كمستشار وخذ مقابل مادى وأدبى لها ووفر علينا ” الفضائح ” ، ورغم وجاهة كل ذلك خاصة وأنه صادر من أصحاب الخبرة العملية فى التعامل مع المسرح الحكومى الذين دفعوا الكثير من سنوات عمرهم بل وسمعتهم أحيانا بسبب تصديهم لإصلاح هذا المسرح وبتكليف من الوزير نفسه ..
وأيضا بعيدا عن المجموعة المتشائمة من المشككين الذين فقدوا الثقة والأمل فى امكانية حدوث أى اصلاح للمسرح فى مصر فى ظل غياب (السياسة الثقافية ) التى سبق أن اعلن عنها فاروق حسنى نفسه عندما تولى الوزارة عام 1987 والتى كان للمسرح والنهوض به نصيب كبير فيها .. ولذلك غاب بغيابها كل أمل فى اصلاحه ..
تبقى ضرورة استمرار الأمل فى التمسك بالدوافع النبيلة لقرار الوزير تعيين محمد صبحى مستشارا له لشئون المسرح لإقالة المسرح من عثرته ، ببساطة لأن الفنان الكبير ليس فى حاجة للحكومة والوزارة ومسرحها فلديه مسرحه الذى يخطط له ويديره بنجاح منذ سنوات طويلة، كما أنه ليس فى حاجة الى وجاهة منصب المستشار أو مخصصاته المالية بسبب نجوميته وشهرته وأيضا لأنه أغنى من أى صاحب منصب رسمى فى الوزارة بعد كل هذا العمر الطويل من تقديم الأعمال الفنية الناجحة ..
ولاشك فى أن محمد صبحى لديه الكثير من الأفكار والآراء التى حتما ولابد أن تفيد المسرح الحكومى المصرى ، وهنا قد يكون التساؤل مشروعا حول امكانية توفير الوزير الوسائل اللازمة لوضع أفكار صبحى وآرائه هذه موضع التنفيذ بإلزام الجهاز الرسمى التابع لوزارته أى البيت الفنى للمسرح بتنفيذ ما يراه محمد صبحى ، وأعتقد أن ما سيراه ويشير به لن يختلف فى قليل أو كثير عن ما ورد فى ورقة ” السياسة الثقافية ” التى أعلنها عام 1987 الوزير الفنان نفسه ، كما أنها لن تختلف فى كثير أو قليل عن ما ورد فى تقرير لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشعب المصرى عام 1983 برئاسة الدكتور سهير القلماوى وعضوية الفنان حمدى أحمد مقرر اللجنة الذى يمكنه أن يمد الوزارة بصورة من تقرير اللجنة اذا لم يكن لدى مجلس الشعب صورة منه ..
تبقى الإشارة الى حقيقة أن بعض المواقع الرسمية التى تشرفت بشغلها فى وزارة الثقافة، قبل فاروق حسنى ومعه ، كانت تضم أكثر من مستشار معين بقرار من الوزير ويتقاضى عدة آلاف من الجنيهات شهريا دون أن يقدم أى ” استشارة ” ولو على سبيل ” تحليل ” ما يتقاضاه حتى لا يصبح مالا ” حراما ” أو ثمنا لولائه للوزير أو سكوته عن أخطاء الوزارة فى مجال تخصصه ، وما أكثرهم فى مختلف وزارات الدولة ..
و.. بحكم معرفتى الوثيقة بالفنان محمد صبحى منذ أيام الدراسة ، ومتابعتى لنجاحاته الكثيرة وأفكاره ، أثق فى أنه لن يكون منهم .. كمستشار لا يستشار ..
مقال منشور بجريدة الوفد