
ابوبكر يوسف ..
رحلة فتى الفيوم الطويلة في نشر الأدب الروسي
ولد أبوبكر يوسف في 20 مايو-آيار- 1940في قرية مفتاح أبو جليل بمحافظةالفيوم. كان والده – عمدة الناحية وعميد قبيلة الرماح – يكتب الشعر( الزجل) ويخجل من وضع اسمه عليه فيوقع قصائدة باسم) العمدة) . في تلك القبيلة ذات الأصول البدوية كان الجميع تقريبا يكتبون الشعر ويعشقون الخيل والسلاح ويقدسون الشعوربعزة النفس. ولد أبوبكر في أحضان الشعر والكرامة. ومثلما فعل بعض من الريفيين المصريين الذين قطعوا الطريق من قراهم إلي القاهرة ثم أوروبا، قطع أبوبكر الطريق من القاهرة إلي روسيا طلبا للعلم بالإصرار الذي امتاز به كل المتعطشين للمعرفة . وحينما وصل أبو بكر يوسف إلي موسكو عام 1958 لم يكن ليخطر بباله أن رحلته ستتوج بعد أكثر من نصف القرن بوسام رفيع من الرئيس الروسي في نوفمبر 2011 تقديرا لجهوده الكبيرة في نشر الثقافة والأدب الروسيين بالعربية! لكن الجدية والمثابرة كانتا خصلتين ملازمتين له منذ أن كان تلميذا في المدرسة الثانوية للمتفوقين بضاحية المعادي. وبفضل تفوقه تم اختياره عضوا في أول بعثة إلي روسيا تضم طلابا – وليس خريجي جامعات- للحصول على الليسانس والماجستير في اللغة الروسية وآدابها.وعندما عاد الى مصر في عام 1964 التحق مدرسا بكلية الألسن بجامعة عين شمس. ثم توجه بعد فترة الى موسكو مرة ثانية في بعثة لنيل شهادة الدكتوراة حيث ناقش أطروحته بجامعة موسكو في موضوع ) قضية البطولة في الأدب الروسي عن الحرب العالمية الثانية ) وحصل على الدكتوراه. الفتى الذي قطع الطريق من الفيوم إلي موسكو تتجدد أشواقه هذه المرة الى الابداع وإلي نقل عيون الأدب الروسي إلي العربية، فيقدم على صفحات ( أنباء موسكو) (1969-1974) ترجمات العديد من الشعراء والأدباء الروس والسوفيت. وللمرة الأولى تشق الترجمة طريقها للقارئ العربي مباشرة من الروسية إلي العربية وليس عبر لغة ثالثة ،كما كان الأدب الروسي يترجم قبل ذلك من الفرنسية والانجليزية. ويلتحق أبوبكر مترجما في دور النشر ) التقدم )، و ) رادوجا ) و)مير) ويواصل من هناك إثراء الحياة الثقافية العربية فيقدم للقارئ العربي مجموعة من عيون الأدب الروسي منها ( ديوان الشاعر الكسندر بلوك)، وروايتا ( السفينة البيضاء) ، و ( الكلب الأبلق الراكض عند حافة البحر) لجنكيز أيتماتوف، ورواية (دوبروفسكي) لبوشكين، و( سوار العقيق) لأكسندر كوبرين، ومجموعة قصص لأندريه بلاتونوف، ومجموعة أخرى ليوري ناجيبين، ورواية )المعطف) لجوجول وغير ذلك.كما قدم لمكتبة الطفل العربي ترجمات لاكثر من خمسة وعشرين كتابا من أدب الاطفال الواسع الانتشار في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي.هذا عدا ترجمته لمنتخبات من الشعر الروسي الكلاسيكي والمعاصر حاول فيها اشتقاق أسلوب جديد لترجمة الشعر ابتعادا عن النماذج النثرية التي شاعت في ترجمة الشعر الاجنبي الى اللغة العربية. من ناحية أخرى يكتب عن الثقافة والشؤون الروسية للصحف العربية مثل مجلة ( الشروق) وصحيفة ( الخليج )، ومجلة (المجلة ) اللندنية وغيرها ، ويراسل الإذاعات والقنوات الفضائية. وينشر على صفحات الجرائد المصرية مثل )الأهالي) و(صوت العرب) و(أخبار الأدب ) مقالاته الادبية وترجماته. وفي خضم ذلك كله يواصل أبوبكريوسف ترجمة أديبه المفضل، الأعظم لديه ولدي الكثيرين ( أنطون تشيخوف)، فتصدر( المؤلفات المختارة لأنطون تشيخوف) في أربعة أجزاء عن دار التقدم بموسكو عام 1982-1984. وقد يبدو بكل ذلك النشاط أن رحلة أبي بكر يوسف لا تحتمل إضافة أخرى، إلا أن هناك جانبا آخر غير مسجل في مسيرة ذلك الكاتب الأديب المترجم. وأعني به العون الأدبي والعلمي المتدفق الذي قدمه أبوبكر يوسف دائما لكل أبناء وطنه وللطلاب العرب ممن درسوا في روسيا ، وكان أبوبكر يوسف بالنسبة لهم أخا كبيرا يقصدونه لحل مشاكلهم الدراسية والمعيشية والاجتماعية. وعلى وفرة ما قدمه أبوبكريوسف، فإن الهاجس الوطني لم يفارقه، فكان من أوائل المبادرين إلي تأسيس المنتدى الثقافي العربي عام 1987 رئيسا مشاركا، وإنشاء المركز العربي للأبحاث والدراسات بموسكو عام 1994 مشرفا عاما، وجمعية المغتربين العرب عام 2011 رئيسا ،ويصبح أبوبكر يوسف عضوا شرفيا في اتحاد كتاب روسيا وعضوا في اتحاد الكتاب العرب.في مصر، احتفي المثقفون بالدكتور أبوبكر يوسف عام 2010 وهو يتسلم وسط باقة من محبيه فوق منصة دار الأوبرا الشهيرة من الوكالة الفيدرالية الروسية للصحافة والاعلام ميدالية تقدير عال لجهده الكبيرفي تنمية العلاقات الثقافية بين روسيا ومصر. وفي 2011 ينال أبوبكر وساما رفيعا ( ميدالية بوشكين) من الدولة الروسية ورئيسها تتويجا واعترافا بعطائه الخصب الذي أثرى به التعارف الثقافي الإنساني العربي الروسي على مدى نصف القرن. ورغم ان أبوبكر يوسف قد جاوز السبعين من عمره الا انه مازال يواصل العطاء في خدمة القضية التي وهب لها عمره ، ومازل يأمل بأن يتمكن من تحقيق حلمه الكبير، ألا وهو ترجمة الأعمال الكاملة لكاتبه المحبب أنطون تشيخوف ، وساعتها سيكون بإمكانه أن يقول إنه أوفى بدين قديم يدين به للثقافة الروسية العظيمة.
روسيا اليوم 15-3-2013