
محسن الميرغني
كتب على صفحته
كل مافعله عبدالناصر حنفي الناقد المفكر أنه مارس عمله النقدي بجرأة واقتدار، وأخذ يحلل معطيات الوقائع الحاصلة، والموثقة بأوراق رسمية، أو فعاليات مؤرخة ومسجلة إليكترونيا وبصريا، إنه يمارس عمله دون توان منذ سنوات، نقرأ له تحليلاته ومداخلاته الفلسفية، فنكتشف نقاطا مضيئة في أغوار عقولنا، ونكتشف معها وجود ناقد مثقف ذو ثقافة عاليه، ليست استهلاكية، وليست للتداول الترويحي، لكنها ثقافة مفيدة ومؤثرة، وهذا بيت القصيد، إن ما فعله عبدالناصر، واستحق عليه العقوبة الهزيلة التي ارتأى خصومه من الموظفين أن يعاقبوه بها هو عمله، لكنهم عاقبوه ليكون عبرة لغيره من الأشخاص الذين قد تراودهم خيالاتهم، فيمارسون عملهم النقدي-ربما- بجرأة واقتدار مثله، وليعرف الجميع أن يد السلطة الوظيفية نافذة على الكلمات والحروف قبل الرقاب، فها هي جرة قلم واحدة، تقتطع من راتبه النصف، وتوقفه عن العمل ثلاثة أشهر، لا لشيء ، إلا لأنه قال مالم يستطع كثيرون غيره قوله في وجه من يمارسون عملا عاما ويفترض فيهم تقبل النقد.
إن ما قامت به إدارة المسرح في الهيئة العامة لقصور الثقافة، من إجراءات لاستصدار قرار بهذه العقوبة المؤسفة، والتي يبدو من محتواها أنها ليست سوى نوع من الانتقام الكيدي، وتصفية الحسابات، تجاه شخص عبر عن رأيه كتابة وقولا، تؤكد أن هذا القرار هدفه الإعلام والإعلان أن التعبير عن الرأي مرفوض، رغم أن الدستور المصري يقر في مادته رقم 65 من الباب الثالث- باب الحقوق والحريات والواجبات العامة على أنه :
) حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبيرعن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر(.
لكن من الواضح أنه لا العاملين بأجهزة الدولة التنفيذية ولا مؤسسات الدولة الثقافية يطبقون مواد الدستور، وربما يعتبرونها مجرد حبر على ورق تم كتابته، دون أي قيمة تذكر لما دفعه المصريون من دماء وأرواح في سبيل كتابة هذا الدستور المتفق عليه، والذي يصر كاتب السطور على التمسك به معيارا وميزانا، لما نعانيه من اختلال وخلل.
عبدالناصر حنفي الحائز على جائزة النقد في مهرجان المسرح القومي بدورته العاشرة في 2017م. عن مقال نقدي بعنوان) الدمى والوعي) أصبح اليوم معاقبا بسبب كتابته للنقد وممارسته للنقد، التي كوفيء عليها منذ ثلاثة أعوام، وربما يكون في عنوان مقالته النقدية الفائزة ما يتنبأ بما يحصل الآن، وربما تكون مخاوفنا السابقة قد تحققت والتي صرح بها كاتب هذه السطور عندما تم حبس فرقة أحمد الجارحي بعدها بعام في 2018 بسبب ممارستهم لفن المسرح، وها هو ناقد يعاقب على ممارسته لمهنته، وممن؟! من الجهة التي يفترض فيها أن تكفل له الرعاية والحمايه المهنية والفكرية.
إننا نواجه منعطفا خطيرا بالغ الأهمية والصعوبة فالشروط الواجب توافرها في النقد أن يكون جادا وصريحا وصادقا تتعرض للهجوم من قبل بيروقراطية متمترسة وراء الخوف من النقد الذاتي وغير الذاتي، ترى في الكتابة هجوما على الأشخاص لا الممارسات ولا الأفكار، ومن ثم تتم شخصنة الأمور لصالح الأهواء الشخصية بمعزل عن قيم العقل والعدل والحرية التي يفترض في مؤسسات الدولة أن تحميها وترعاها، لا أن تدنسها وترتكب في حقها أسوأ الممارسات المبنية على دسائس ومؤامرات شخصية تحتكم لقانون واحد معروف ومعلوم لمن يجلسون خلف مكاتبهم الحكومية اليوم، وهو قانون) إساءة استخدام السلطة) وهي جريمة وتهمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم. إننا نخوض معركة وعي ومعركة دفاع عن الذات والوجود والعمل و دفاع عما نؤمن به من قيم وأصول فكرية مستنيرة، تربى عليها كثيرون من أبناء هذا البلد..
فإما أن نقف ونتصدى لما يحدث أو نستسلم ونصمت، وننتظر القادم الأسوأ دوما، أما أنا فأختار ألا أستسلم أبدا.ويا أهلا بالمعارك..
) تبت يدا من ساب رفاق المعركة بطولهم).