
قاسم محمد
قاسم محمد ..اول فنان عربي على خشبة مسرح ( موسوفيت(

صفق الجمهور طويلا حينما قدم في مسرح ( موسوفيت( بموسكو في الستينيات عرض مسرحية(الهروب) لميخائيل بولغاكوف لدى انتهاء الممثل ( الجندي) من إلقاء مونولوجه في مواجهة الجنرال رومان خلودوف السفاح الذي أمر بشنقه لاحقا. وكان هذا (الجندي) الفنان العراقي قاسم محمد الذي درس في معهد الفن المسرحي(غيتيس(تحت اشراف استاذه يوري زافادسكي المدير الفني للمسرح المذكور. وكان اول فنان عربي يعتلي خشبة هذا المسرح.
وعندما التحق قاسم بمحمد بمعهد ( غيتيس) في عام 1963 بعد الانتهاء من الكلية التحضيرية لتعلم اللغة الروسية جذب الانتباه فورا بكونا ممثلا من الطراز الاول . فكانت المشاهد المبتكرة التي يقدمها مع زملائه امام الاساتذة تثير الاعجاب دوما. وظهرت جلية للعيان فائدة دروس التمثيل التي تلقاها على يد الاستاذ القدير جاسم العبودي في معهد الفنون الجميلة في بغداد. وبلغ الامر حتى دعوته للدراسة ليس في قسم الاخراج بل في قسم التمثيل في ( غيتيس). لكن قاسم وضع هدفا له ان يصبح مخرجا. وفعلا تخرج من المعهد في عام 1968 بأمتياز كمخرج وحمل معه الى بغداد كل جعبة المعارف والخبرة المسرحية التي حصل عليها من اساتذته ومن ارتياده مسارح المدينة بأستمرار اذا كان لا يفوت اي عرض مسرحي متميز جديد. كما كان يشارك في تقديم تمثيليات اذاعية من محطة اذاعة موسكو.
وفي ليلة سفره الى بغداد وقف مع جاره في القسم الداخلي يحزم حقيبته فترك ايقونة قديمة اهداها له صديق مع جيرانه خشية ان يمنعه رجال الجمارك من اخذها معه. لكنه اخذ الديك الخزفي والقطع الخزفية الاخرى التي كان يجمعها. اذ كان من هواة التراث الشعبي الروسي وغالبا ما كان يذهب الى متحف الفنون الشعبية لدراسة المعروضات فيها. فقد كان يعتقد ان الفن يجب ان يكون قريبا من قلوب الناس، وليس ترفا من اجل النخبة. واخذ مجموعة كبيرة من الكتب في مجال اختصاصه اي الاخراج المسرحي وتربية الممثل باللغة الروسية. وكان يقول ان مهمته في الوطن ستكون بالغة الصعوبة لمعرفته اولا خلال عمله سابقا في فرقة المسرح الحديث في بغداد بالصعوبات التي تواجه العاملين في المسرح العراقي. كما كان يدرك ان السلطات لن تكون عونا لفنان المسرح ، بل بالعكس ستقيم امامه شتى العوائق المادية والمعنوية. ولعل في مقدمتها الرقابة الشديدة المفروضة على النصوص المسرحية. بالرغم من ان فترة 3 – 4 اعوام شهدت شيئا من الانفتاح على الثقافة . وفي رسالة بعث بها الى موسكو لاحقا اشار الى انه يتمنى ان يخرج مسرحية جوجول ( المفتش العام) بأسلوب مييرهولد، لكن من المستبعد ان يتمكن من تحقيق هذه الامنية.
وعموما كانت السلطات في تلك الفترة تقف حجر عثرة امام اخراج المسرحيات الروسية وحتى مسرحية ( البرجوازيون) لمكسيم غوركي اخرجت ليست بالنص الاصلي للمؤلف بل بشكل اقتباس. ولهذا انصب اهتمام قاسم محمد على مواضيعه المحببة الى قلبه اي مواضيع تراث الشعبي. لهذا كانت غالبية العروض التي قدمها في بغداد مرتبطة بذلك. وكان قد قال للكاتب غائب طعمة فرمان وهو في موسكو انه سيسعى الى اخراج روايته ( النخلة والجيران) على خشبة المسرح. وفعلا تحقق له ما اراد في عام 1971 حين قدمت على خشبة المسرح الوطني. وفيما بعد كانت غالبية المسرحيات التي اخرجها مرتبطة بالادب المسرحي التراثي والشعبي مثل ( بغداد الازل بين الجد والهزل) و( كان يا ما كان) و( طير السعد ) و( الشريعة ) ليوسف العاني وكذلك( تموز يقرع الناقوس) و( شعيط معيط وجرار الخيط) و(شلون والويش وإلمن). وابدى اهتماما بتقديم مسرحيات من اجل الاطفال ومنها الحكاية الايطالية ( بوراتينو او الصبي الخشبي).
لكن مشواره في العمل في العراق لم يستمر طويلا بسبب الحروب والاوضاع السياسية التي ابتلي بها العراق خلال العقود الكثيرة. وغادر وطنه مثل الكثيرين من المبدعين العراقيين من شعراء وكتاب نثر وموسيقيين ومسرحيين وسينمائيين واساتذة جامعات. فكان ان غير مكان اقامته الى إمارة الشارقة التي ابدى حاكمها سلطان القاسمي اهتماما بالمسرح. وفي الغربة عمل على وضع كل خبرته ومعارفه في خدمة الزملاء العرب. وفي عام 2008 منح لقب ابرز شخصية ثقافية في العام .
توفي الفنان قاسم محمد في 6 نيسان عام 2009 بمدينة الشارقة في الامارات العربية المتحدة ، ونقل جثمانه الى بغداد حيث ووري التراب في ارض وطنه.
المصدر : روسيا اليوم