
زين نصار
ضـاع أول مشـروع نبيـل لتقـديم تـاريخ المسـرح الـعربى .. مسـرحيا
منذ فترة طويلة يستعد المسرح المتجول – أنشط مسارح القاهرة – لتقديم مشروعه التعليمى الضخم الذى يمكن أن يكون علامة مضيئة فى تاريخ المسرح المصرى ، المشروع بعنوان ( الجذور ) ويعتمد فى فكرته الأساسية على تقديم دراسة توثيقية لتاريخ المسرح العربى وتقديمها فى صياغة درامية أقرب إلى التسجيلية بهدف تعليم الناس تاريخ المسرح العربى .. ، وهو مشروع غير مسبوق وبالغ الطموح ، ويمكن أن تكون مجموعة عروضه – التى تغطى تاريخ المسرح العربى منذ نشأته إلى اليوم – أول مدرسة مسرحية عامة يلقى فيها المشاهد دروسا حقيقية وممتعة فى تاريخ المسرح العربى . وجاء العرض الأول الذى أعده وأخرجه أبو بكر خالد بطولة زين نصار ، حسن الديب ، زينب أنور و عبد العزيز عبد الله ، وكانت النتيجة خيبة أمل غير متوقعة !!
بدلا من أن يفرض المشروع الأسلوب تبعا للهدف فرض أصحاب العرض الأول رؤيتهم الخاصة أو تصورهم لأسلوب تقديم تاريخ المسرح العربى ، وقد تأثروا بشكل واضح بأساليب التهريج الرخيصة السائدة اليوم فى المسرح المصرى ، فجاءت محاولتهم بالغة التفاهة . عندما تم الجرى وراء انتزاع الضحكات من خلال اللعب على الشكل الخـارجى دون الجوهر ، وبدلا من أن نرى السـامر والحكواتى ، والحاوى والمداح والتعازى وشاعر الربابة ، فوجئنا جميعا بوصلات غنائية وإيقاعات شعبية يغنيها ويعزفها الفنان الشعبى على الوهيدى وفرقته المكونة من عازف الناى وقارع الطبل لتملأ المكان بتمهيد إيقاعى غنائى للجو الشعبى الذى سنشاهد خلاله بعض الظواهر المسرحية الشعبية عند العرب .. وانتهى الأمر عند ذلك الحد لنكتشف أن المعد لم يكلف نفسه عناء البحث عن رابط درامى يتيح له الفرصة لتقديم هذه الأشكال الشعبية مبرزا ما فيها من عناصر درامية . وبدلا من ذلك يستعيض باختيار مفترض أنه عشوائى من بين الناس لورقة تحمل اسم المشهد الذى سنراه ، سواء كان ( تعازياً أم مداحا أم سامرا أم حاويا أم غيره ) .. وبالطبع كانت وسيلة بالغة السطحية والفجاجة ، وتدل فى الوقت نفسه على عجز كامل عن التوصل إلى وسيلة درامية تتخلق من خلالها هذه المشاهد . ولا يكفى هذا التسطيح الواضح لنكتشف أن ما نراه ليس بالسامر أو الحاوى أو المداح ، وإنما هو تشخيص كاريكاتورى لأى منهم ينتج عنه ولاشك ليس تعريف المشاهد بالظواهر المسرحية عند العرب وإنما احتقار هذه الظواهر لأنها قدمت فى صورة بالغة من الهزل الرخيص ، بشكل لا يؤدى إلى أية متعة أو تعليم . ويخرج المشاهد بعد كل ذلك ليتساءل : ما الذى رأيناه ؟ وهل هذه هى الظواهر المسرحية عند العرب ، وهل هذه هى فنون أجدادنا التى استمتعوا بها مئات السنين ؟ لقد كانت تجربة بالغة السوء أضاعت الهدف النبيل ..
محـــاولة تعميــة
وتبقى الإشارة المهمة إلى خطأ فكرى فاضح ارتكبه معد العرض ومخرجه ، عندما أقحم رقصة من المفترض أنها تعبر عما يعتقد أنه مأساة فلسطين ، ولا أدرى بالطبع ما هذا الإقحام لفلسطين فى هذا العرض الهازل . المهم أنها رقصة بالغة الحزن بإيقاعات بطيئة لبطلة العرض زينب أنور التى تلتف بالعلم الفلسطينى وحول رقبتها الشال الفلسطينى . أما لماذا هذا الإقحام وبهذا الشكل المخل بقضية جادة تمس كل عربى فهذا ما لم يفصح عنه العرض ، ولا أعتقد أنه كان مقصودا به غير تعمية المشاهد وإيهامه بأن هناك شيئا جادا فى هذا العرض ربما غابت معانيه ورموزه عن إدراكه ، ولكن حتى هذا يعد استغلالا غير مشروع لقضية أكثر نبلا من أن يتلاعب بها الصغار بهذا الشكل المهين .
ويبقى نجوم العرض ، زين نصار وزينب أنور وحسن الديب وعبد العزيز عبد الله وهم من أخلص شباب ممثلى المسـرح المتجـول ، والمفترض أنهم اكتسبـوا خبرة وثقافة من العروض الكثيرة السابقة التى قدموها لهذا المسرح ، ومع ذلك ضاعت عقولهم فلم يلفت أحدهم نظر المعد المخرج أو مدير المسرح عبد الغفار عودة إلى الجريمة التى أطاحت بالمشروع النبيل الذى سيموت فى مهده ، ما لم تدركه يد فنان دارس وأكثـر وعيا بالتاريخ الفنى والتاريخ العام لهذه الأمة التى يبدو أنها ستظل منكوبة بمثقفيها . والمفترض أن المعد المخرج دارس متخصص فى المسرح ، وتخرج من معهد المسرح ، ويعد حاليا رسالة ماجستير فى المسرح ، ويعمل مخرجا بالإذاعة ومخرجا بالمسرح ، ومعـدا بالمســرح وناقداً للمسرح و .. و .. رغم كل ذلك جاءت ( الجذور ) التى قدمها ميتة . ألا يحق لنا أن نتحسر على المسرح وأهله ؟!
القبس
9 / 12 / 1986