
حميدة العربي
فن الرقص من الفنون التي ابتدعها الإنسان منذ بداية وجوده في الطبيعة حيث عبر عن مشاعر الفرح والحماس والحب وحتى التقرب من الآلهة ، بحركات بدنية منسجمة مع حالته الشعورية . لهذا يعتقد الهنود أن الرقص ( تحرير للجسد (من شرور الكسل والخمول والانعزال والخوف، فكان الناس يرقصون في مناسبات جماعية مثل مواسم الزراعة والحصاد أو الانتصار على الأعداء أو الاحتفال بتكوين عائلة جديدة(عند الزواج ) وغيرها .
ولأن الرقص تعبير عن حالات الفرح والانتصار والحب لذا يرتدي الناس أجمل الأزياء والألوان ويتزينون بأحلى المجوهرات والحلي لتمتزج الحالة الشعورية بالإحساس بالجمال والتألق مع الموسيقى والإيقاع المناسب فتكتمل الصورة وتأخذ بعدها الفني ، وكلما كان الرقص مبتكرا ومدروسا ومنظما كانت النتيجة أكثر إبهارا ودهشة للناظر .
أما في المجتمعات الذكورية ( مثل مجتمعنا ) فلا مناسبة جماعية مفرحة ولا كرنفالات شعبية تقليدية – تفسح المجال أمام الناس للفرح والاحتفال والابتكار ( لا يصبح الاحتفال شعبيا ألا بمشاركة الجميع ) .. ذلك لأن الرقص عندنا أرتبط بالجواري والغانيات ، ولان هدف الجواري من الرقص ، في الماضي، كان الإثارة والإغراء لذا تولدت النظرة الدونية للرقص والراقصات، ولم يعرف المجتمع من الرقص إلا ما تقدمه الكباريهات ( للرجال فقط ) ومن الرقص الشعبي لدينا فرقة واحدة ( يتيمة ) هي الفرقة القومية للفنون الشعبية ( عمرها أكثر من 45 سنة( وقد تحول فيها الرقص الى وظيفة ! وعندما يتحول الفن الى وظيفة يفقد قيمته الجمالية وتتضاءل فيه فرص الخلق والإبداع لانه يتحول الى عمل روتيني وواجب يؤديه الفنان من أجل الراتب وإرضاء الإدارة حيث يهمل الفنان أدواته الفنية ويتركها دون صقل أو متابعة أو تطوير, ويسترخي بدنيا وذهنيا لأنه قد ضمن الراتب، سواء تطور أم تأخر، شارك في عمل فني أم لم يشارك
والفرق ) القومية ) للفنون ( للتمثيل والرقص ) أمثلة صارخة على تحول الفن الى وظيفة، لا يكسب فيها الفنان سوى الإيرادات المادية فقط ( رواتب ، مخصصات، إيفادات..الخ ) دون الاهتمام بالقيم الفنية والجمالية والإبداعية الا ما يأتي بالصدفة – حين يناط العمل بفنان يهمه التطور والتجديد – وهذا نادرا ما يحدث .
في افتتاح مهرجان بغداد عاصمة الثقافة ظهرت الفرقة القومية للفنون الشعبية بأسوأ حالتها ، فلا أفكار فنية جديدة أو مبتكرة – فقد ظلت الفرقة تعيد نفس الرقصات بتكرار ممل في كل مناسبة ! ولا أزياء جميلة تجذب المشاهد وتضفي على اللوحات رونقا فنيا وجماليا مميزا ، ولا راقصات رشيقات خفيفات الحركة والحضور يعوضن عن الفقر في الأفكار والأزياء ( فهل يعقل أن أعمار الراقصات بحدود الخمسين سنة ؟ وهل يعقل أن أوزان الراقصات تجاوزت الثمانين كغم ؟ ) أليس هؤلاء الراقصات موظفات في الفرقة ومتفرغات للرقص فقط ؟ والمفروض أن كل وقت دوامهن مخصص للتدريب والرياضة واللياقة البدنية ؟ ( والا ماذا يفعلن أثناء ساعات الدوام ؟ ) ما يحصل أن الراقصات ( الموظفات) يتم استدعاءهن عند الحاجة فقط ! في حالة وجود مهرجان أو حفل فني ، فتحضر الراقصة دون تدريب أو استعدادات لتعيد نفس الرقصات التي حفظتها من سنين طويلة . في حين أن الفرق الفنية العالمية – خصوصا فرق الرقص – تتدرب يوميا ولساعات طويلة تتجاوز الست أو السبع ساعات في اليوم كي يحافظ الراقصون والراقصات على وزن معين ، ثابت ، طوال سنوات وجودهم في الفرقة . والراقصة – أو الراقص – التي يزداد وزنها ، قليلا ، تتعرض للعقوبة وترغم على تخفيض وزنها والا تفصل أو تحال على التقاعد أو تنقل الى عمل آخر غير الرقص ! ألا عندنا فالراقصة – أو الراقص – لا يحالون على التقاعد ولا يعتزلون مهما طعنوا في السن أو زادت أوزانهم وتهدلت كروشهم !
بغداد عاصمة الثقافة العربية فرصة لكي يعاد النظر في كينونة الفرقة القومية للفنون الشعبية بوضع خطط جديدة وأفكار حديثة ورفدها بدماء فتية شابة من الراقصات والراقصين وبشروط صارمة ( طويل القامة ، نحيف الجسم ، والعمر بين 18- 25سنة ) ويتم تغييرهم كل عشر سنوات على الأكثر، مع وجود أعضاء احتياط ، وان لا يستمر الأعضاء بالرقص بعد سن الـ 35 سنة .. واشاعة ثقافة أن الرقص من الفنون الجميلة التي تحلق بها مشاعر الإنسان في عالم الجمال والخيال والإبداع ، وليس مهنة العاطلين عن العمل ولا وظيفة الدخلاء على الفن.
المدى2013/04/22