
تطرح قضايا هامة
بعد تدهور المسرح الرسمى بفضل قياداته الحكومية !!
د. حمدى الجابرى
فى الوقت الذى تدهور فيه المسرح الرسمى بفضل قياداته التى جعلت هيئة المسارح المظلمة نموذجا طيبا للفساد الإدارى وإهدار المال العام .. يعود القطاع الخاص المسرحى ليؤكد من جديد أن رجل المسرح الحقيقى لا يمكن أن تقف أمامه لوائح ميتة أو قوانين جامدة تفرخ فى النهاية بعض الأقزام فى صورة مديرين للمسارح المظلمة .. لقد استطاع سمير خفاجى صاحب فرقة الفنانين المتحدين ، إنشاء الفرع الثانى لفرقته الخاصة . وأنشأ لها داراً للعرض المسرحى فى الوقت الذى حول فيه عباقرة الفساد المسرحى دور العرض الرسمية إلى خرابات !!
والاحتفاء بالمسرح الجديد لفرقة الفنانين المتحدين واجب وإن كان لا يمنع لفت النظر إلى بعض أمراض مـسرح القطاع الخاص المزمنة ، والتى تعود بالدرجة الأولى إلى الكتاب المتخصصين فى كتابة مسرحياته ، فالقطاع الـخاص كان يعتمد منذ فترة طويلـة على إبـهار المشاهـد بالدعاية المبالغ فيها ، والنجوم والنجمات والملابس والديكورات الفخمة ثم كثير من الإشارات الجنسية المثيرة للضحك فقط ؛ ولذلك تقبل عليه الجماهير فيزداد أصحاب المسرح ثراءً، وكأنما هنـا معاهدة غير مكتوبة بين الجمهور وهذا المسـرح ، على أن يقدم المسرح لمشاهـده بضع ساعات من الضحـك والمتعة البصرية ، دون أن يكلف عقله أى جهد فى مقابل بضعة جنيهات يدفعها ملايين المشاهدين ، ومع ظهور مسرحيات للقطاع الخاص التى تجمع بين المتعة البصرية والضحكة وأيضا المضمون الذى يثرى عقل ووجدان المشاهد مثل مسرحيات جلال الشرقاوى ومحمد صبحى ، ساد تصور بأن مسرح القطاع الخاص يمكن أن يؤدى الدور الذى عجزت عنه مسارح الدولة الرسمية ، ولكن جاء العرض الجديد لفرقة الفنانين المتحدين ليؤكد أن فرق القطاع الخاص مازالت تحكمها نفس القـيم القديمة ، أو على الأقل المعاهدة غير المكتوبة بين المسرح والجمهور كما ظهر فى مسرحية ( علشان خاطر عيونك ) ..
فالفرقة ( علـشان خاطر عـيون شريهان ) وفرت كل إمكـانيات العرض المسرحى مثل كبار النجوم ، وديكورات فخمة ، ورقصات وإضاءة وموسيقى رائعة ، ونسيت شيئا واحدا .. الموضوع أو النص أو حتى الفكرة الجميلة ، وبالطبع تدافع الناس لمشاهدة نجمة الفـوازير والاستعراض (شريهان ) مع عملاق الكوميـديا فؤاد المهنـدس ، ونجوم المسرح الكوميـدى فؤاد أحمد ، والمنتصر بالله ، وسهير البارونى، وتحققت المتعة البصرية والسمعية للمشاهد . وازداد أصحاب المسرح ثراء وإن كان المشاهد لابد أن يشعر بأن هذا المسرح غريب عليه ، وعلى حياته ، وهو ما ينـتقص ولا شك فى النـهاية من الـمتعة الكلية وأيضا من هدف ( شريهان ) من الوقوف على خشبة المسرح يوميا لتأكيد إمكانياتها التمثيلية والاستعراضية التى تأكدت بالفعل فى السينما والتليفزيون ، وبالتالى فإنها فى المسرح لابد أن تسعى إلى تأكيد القيم الإنسانية والعقلية التى تبقى فى عقل ووجدان الإنسـان العاشق للمسرح ونجومه .. وهو مالم يتحقق فى تجربة شريهان الأولى المسرحية لمجرد أن المؤلف بهجت قمر اعتمد على توليفة قديمة لا يحكمها منطق درامى واضح وتلعب فيه المصادفة الدور الأكبر ، وبالتالى أصبحت حوادث المسرحية ، وليس أحداثها مجرد مشاهـد متتالية لا يربطها منطق الحتمية والضرورة فالفتاة الصغيرة الجميلة تهرب من زوجة أبيها لترتمى تحت قدمى صاحب الكباريـه الشرير ، الذى هو بالمصادفة مهرب مخدرات تقتله عصابة فى نفس الوقت الذى وافق فيه على أن يصنع من الفتاة نجمة كباريه ويرثه شقيقه التوأم المدرس الفقير والأمين الذى لابد أن يصطـدم بعالم الكباريه وتنشأ المفارقة المثيرة للضحك بين تصوراته كمدرس، وبين واقعه كصاحب كباريه محاط بالشر والعهر دون أن يدرى ، ويقع فى نفس الوقت فى حب الفتاة الصغيرة التى تقع بدورها فى حب صديقه الشاب وقبل أن تضحى بنفسها وبحبها تكشف المصادفة الحقيقية ويعود المدرس إلى رشده وتنتصر الحياة ..
وبالطبع فإن هذا الخلط بين الشخصيات ودوافعها وسلوكها والحوداث لابد أن يصيب المشاهد بالتشتت ولكن يبدو أن جمهور ) شريهان ) قد جاء ليشاهدهـا فى أى الأوضاع ممثلة أو راقصة فهذا يكفيه ؛ ولذلك لم يلتفت كثيرا إلى أية مقتضيات درامية وكانت بالطبع الفرصة سانحة لرجال المسرح للظهور مثل المنتصر بالله وفؤاد أحمد لتقديم مشاهد تمثيلية متميزة فى حد ذاتها وإن كانت تحتاج طبعا إلى مؤلف يجيد ربطها ، بينما كان محمود الجندى العاشق المجهول ليس فى أفضل حالاته ، ربما لأن تطوير الشخصية الدرامية التى يجسدها لم يكن فى بؤرة الاهتمام . ويبقى للمسرحية فضل إعادة عملاق الكوميديا فؤاد المهندس إلى المسرح بعد غياب طويل وهو لاشك مكسب كبير إذا ما توافر النص المناسب.
وبالتالى لابد أن تكون الرقصات والملابس والموسيقى أهم العناصر المؤثرة فى المسرحية ؛ خاصة أنها كادت أن تكون مصنوعة لذاتها لخدمة شريهان شخصيا ، وليس دراميا ؛ ولذلك وضعها محمود رضا فى مركز الرؤية بين مجموعة الراقصين والراقصات ، واستطاعت ألحان عمار الشريعى تأكيد إمكانية وجود ملحن يخدم المسرح الاستعراضى أكثر من مجرد ملحن للأغنية الفردية . أما حسين كمال كمخرج مسرحى فإنه ولا شك يجيد الربط بين عناصر العرض المسـرحى ، نتيجـة خبرتـه القديـمة ، كمخرج مسرحى قبل أن يكون مخرجا سينمائيا ، وإن كان فى مسرحية ( علشان خاطر عيونك ) قد نسى أن الكلمة هى أحد عناصر العرض المسرحى فلم يهتم بها كثيرا وكانت النتيجة أنه وضع بطلته فى أفضل الصور المرئية دون مضمون حقيقى ..
و .. إذا كانت الجماهير قد ذهبت ) علشان خاطر عيون شريهان ) ، وأصحاب المسرح أنشأوا لها مسرحا وسخروا لها كل هذه الإمكانيات الهائلة ، فإننى أيضا أعتقد أنه ) علشان خاطر عيون شريهان ) لابد من البحث عن نص جيد يؤكد ويبرز إمكانيات نجمة الاستعراض الأولى فى مصر ، لا نص يستخدمها ويستفيد منها دون أن يفيدها .. كما حدث فى ( علشان خاطر عيونك) ..
الوفد
26 / 3 / 1987