
زهراء المنصور
الطقس الحقيقي للنقد وتبادل الآراء ووجهات النظر في الآراء الانطباعية
تساءلت الناقدة والباحثة المسرحية زهراء المنصور عن (عزوف الجمهور عن حضور العروض المسرحية, هل تغير ذوق الجمهور بسبب مؤشرات أخرى؟ أم لأن ثمة مؤثرات غطت عليه أفقدته بريقه؟ وهل العروض تواكب ما يريده المتفرج؟ هكذا تناقلت الأسئلة إلى ذهن الباحثة زهراء في محاضرتها المفتوحة (المسرح والجمهور)، إذ لم تحصر العنوان في شأن واحد، بل جعلته سهلا مستساغا للتساؤلات الأخرى في مركز كانو الثقافي. وقالت الباحثة زهراء: (المسرح كما عرفته الموسوعةالعربية: (ظاهرة فنية تقوم على لقاء مقصود واع بين ممثل ومتفرج في زمان ومكان محددين حول نص يجسده الأول للثاني بالتعبير اللغوي أو الجسدي أو بهما معا).
وترى زهراء (أنه من الممكن الاستغناء عن أي عنصر من عناصر المسرح إلا الجمهور، فهو أساس قيام هذا الفن منذ بدايته ونشأته عند اليونانيين في مواسم جني العنب، حيث الاحتفالات والأناشيد والأداء الجماعي للرقصات وإلقاء النصوص الدينية, ثم تطور المسرح بالشكل الذي عرف لاحقا على أيدي الشعراء اسخيلوس سوفوكليس ويوربيدس من حيث تطوير الشكل الذي يعطي الحوار مساحة أكبر من الأناشيد المتعلقة بالطقوس الدينية, وحتى عندما انتقل فن المسرح من حضارة إلى أخرى كان التغيير والتطوير يواكب رغبات الجمهور بشكله االمتنامي).
وأشارت الباحثة زهراء إلى أن (المسرح لا يمكن أن يقوم ويتطور بلا جمهوره, فيجب على العرض المسرحي أن يقترب لمزاج وذوق الجمهور بالقضايا والهموم التي تشغله وتثير داخله التساؤلات وتشظي ذاكرته، بل وتلهب كيانه, تماما كما يقول المسرحي الكبير سعد الله ونوس: (إننا نريد أن نصنع مسرحا؛ لأننا نريد تغيير وتطوير عقلية, وتعميق وعي جماعي بالمصير التاريخي لنا جميعا.. ونعين من هم حقا المتفرجون الذين نريد لهم مسرحا جماهيريا).
معللة(لصناعة هذا المسرح الذي دعا إليه ونوس ومن قبله بريخت واستعمال المسرح كأداة تغيير حقيقية للمجتمع, لابد من الانتباه إلى جدية التعامل مع المتفرج وفهم سيكولوجيته وإلقاء الفكرة في ذهنه بذكاء يستحقه, لا يمكننا اختراق الأدمغة، ولكن التغيير سيظهر مع الوقت.
وتستشف الباحثة زهراء في مختبر ورقتها، إذ (لابد من اختيار منهج بحثي دقيق للقياس؛ لأن الآراء الانطباعية التي قد تحصدها الاستبانات قد تؤثر على نظرة المتفرج لنفسه ووعيه, تماما كما حصل مع نتائج بحث القراءة التي أثبتت أن العالم العربي هو الأقل نسبة في القراءة, وما حدث هو أن النظرة لأنفسنا قد أصبحت دونية أكثر! موضحة (فيتقسيم المسرح نحن نقول مسرحا تجاريا، وفي الفكرة الذهنية لهذا النوع من المسرح يأتي تلقائيا: الضحك من أجل الضحك, السطحية, طرح القضايا إن وجدت بشكل سطحي لا يلامس العمق, مخاطبة الغرائز والإيحاءات المخجلة, وبفعل التراكم نرى الذائقة العامة في هبوط بحجة (أن هذا هو الموجود), وهذا المسرح لا يعاني مشكلة مع الجمهور؛ لأن مقاعده غالبا ما تكون ممتلئة ومدفوعةالثمن, وتسميه المسرح التجاري ليست سيئة في مجملها؛ لأن ليست كل المسارح التجارية لها الفكرة الذهنية نفسها التي أوردناها, ومسرح الفنان محمد صبحي مثال جميل وقدوة حسنة استطاع من خلالها مسك العصا من النصف: أفكار نشطة ذات مضمون وشكل فني كوميدي غالبا يؤدي الغرض من الرسالة الفنية للمسرح لو قدر له أن يتراكم بالشكل المطلوب).
وترى أن (المسرح الذي نعاني عزوف المتفرج عنه, هو مسرح الفرق الأهلية المسرحية وهو غالبا بسبب إعلاء لغة الخطاب في اللغة والمضمون بقدر لا يستطيع المسرحيون أنفسهم تحليل أو فهم العرض من خلاله, فكيف بالجمهور العادي؟ نظرا لأهمية النقد في تكوين متفرج إيجابي متفاعل يفهم العرض ويتفنن في تفسيره, لابد من الالتفات إلى فاعلية النقد في تفسير العروض وتبادل وجهات النظر بشكل صحي سليم, يساهم في حراك وتطويرالحركة المسرحية, ومن هذا الباب نتساءل: أين يكون النقد المسرحي في البحرين؟ غالبا في العروض المسرحية التي تقام من أجل المشاركة في مهرجان أومناسبة ما, لا يوجد لدينا العروض المنتظمة التي تمثل طقسا أو جزءا من الحركة الثقافية الدائمة, وبالتالي لا يوجد طقس حقيقي للنقد وتبادل الآراء ومعرفة وجهات النظر إلا في الآراء الانطباعية التي لا تقام إلا في جزء بسيط من مجمل العروض التي تقدم سنويا, حتى معايير اختيار مشاركة الأعمال المحلية في المهرجانات الدولية غير واضحة, وهو أمر سيؤدي بالتأكيد إلى التخبط وعدم تعلم الآخرين من الأخطاء السابقة التي تلفت نظر المتفرجين في المقام الأول, فيما أن النقد هو لارتفاع بالذائقة الفنية لدى الجمهور ليميزالأعمال).
مضيفة( المسرح لا يشكل جزءا أساسيا من الحياة الثقافية الآن, ويجب أن نعترف بذلك, ليس ضرورة اجتماعية كما هو الحال في أوروبا, نحتاج ترسيخ هذه الفكرة أن نجعل الناس تحبه في مقام الاهتمامات الأخرى: السياسة مثلا! ولعلنا نحتاج حملة توعية تشبه حملات التدخين والسرطان، وغيرها؛لتوجيه النظر إلى أهمية المسرح وتسويقه كأداة ناجحة نستطيع فعل الكثير من خلالها لو آمنا بذلك إيمانا حقيقيا)
هدير البقالي
البلاد الأحد 03 يونيو 2012