
عرض(1930)يخطئ طريقه الى ليلة الفاتح نوفمبر
فرجة مغربية شعبية تفضح المستور داخل القصور الملكية
تعود اشكالية كتابة التاريخ الى الواجهة في كل حدث وطني، وتكيّف التظاهرات الثقافية ايضا مع هذه الاحداث، بل وتصدر كتب وتصور افلام وتنتج مسرحيات. لكن الى أي مدى يظل المبدع وفيا للتاريخ؟ ولماذا يستسهل البعض الاشتغال على الحقيقة التاريخية؟
تزامن المهرجان الدولي للمسرح في بجاية، مع ذكرى اندلاع الثورة التحريرية، كان فرصة لمشاهدة عدد من المسرحيات التي اشتغلت على التاريخ، وكانت المفارقة ان حرص الجزائريين المغتربين على نقل الحقيقة وتصوير بشاعة الاستعمار كان اكبر من حرص مبدعي الجزائر الذين استسهلوا المهمة، وحولوا سهرة الفاتح من نوفمبر الى (كوميديا موسيقية).
(ألف وتسعمئة وثلاثون) كان العرض الذي اختارته المحافظة احتفاء بالفاتح من نوفمبر، و حضره والي ولاية بجاية واحدث طوارئ في القاعة بسبب التوافد الكبير للمهرجانيين على القاعة الكبرى. اطفات الاضواء ورفع الستار وكل يتخيل البطولات التي ستهز الركح او الحقائق المسكوت عنها منذ الثورة التحريرية والتي سترى النور.
ولكن بازو هذه المرة وباجماع الاكاديميين والممارسين من داخل الجزائر وخارجها كان (خارج مجال التاريخ)، ذلك ان العمل الذي بالغ في الاهتمام بالجماليات والفرجة من رقص وغناء و كوريغرافيا، خيّب آمال ضيوف الجزائر الذين جاؤوا متعطشين لرؤية جانب من تاريخ الثورة التي هزت العالم، وحركت الشعوب المستعمرة ضد الاضطهاد على الخشبة. وخيب ظن الاسرة الثورية التي كانت حاضرة ولم تتعرف الى المناسبة.
اشتغل بازو على فكرة احتفال فرنسا بمئوية احتلال الجزائر دون الغرق في تفاصيلها، وانما تصوير حياة الجزائريين والمعمرين في القصبة، او الحي الشعبي الذي جمع بينهم وقربهم حتى اصبحوا عائلة واحدة.
التركيز على العلاقات الانسانية والاجتماعية الطيبة التي جمعت الجزائريين بالمعمرين على اختلاف جنسياتهم اصبح -حسب بعض المحللين- توجها قائما بذاته في الابداع الجزائري و الامثلة كثيرة. وعلى عكس بازو، اجتهد رشيد اكبال، المقيم بفرنسا ان يكرم والده وكل الذين قصدوا فرنسا خلال الفترة الاستعمارية، فجمعتهم في محتشدات قصديرية واذاقتهم الذل و الهوان.
مونودرام (ابي في فرنسا) تقاطع مع فيلم (خارجون عن القانون) لرشيد بوشارب، في الكثير من النقاط، فقد تطرق الى معاناة الجزائريين في الاحياء القصديرية في نواحي فرنسا، و الضغط النفسي الذي عاشوه من جبهة التحرير الوطني التي كانت تطالبهم بالمساهمة في الثورة بالمال. ومن خونة الثورة الذين قدّموا الولاء لفرنسا.
نجح رشيد اكبال، في تقديم اكثر من شخصية ووسط ركح خال من أي ديكور، معتمدا فقط على الاضاءة والموسيقى والفلاش باك في تأثيث الفضاء والانتقال من مشهد الى الاخر. واستطاع باستعمال اللغة الامازيغية والفرنسية وتقليد الأصوات والخوض في أدق تفاصيل يوميات والده في تلك الفترة، ان يشدّ الجمهور الى آخر دقيقة من عمر العرض المسرحي.
للاشارة فإن العرض كان عن قصة واقعية لوالد رشيد اكبال، الذي اراد من خلاله العودة الى احداث أكتوبر الدامية، التي راح ضحيتها جزائريون ابرياء ألقى بهم المجرمون في نهر السين.
ليلة الفاتح نوفمبر التي حضرتها سلطات ولاية بجاية، كانت ليلة بيضاء بدأت من ساحة اول نوفمبر، أين رفع العلم الوطني ودوى نشيد (قسما) يردده الجزائريون وضيوف الجزائر أيضا.
فرجة مغربية شعبية تفضح المستور داخل القصور الملكية
تراجعت الفرقة المغربية (بصمات) عن فكرة الانسحاب من المهرجان الدولي للمسرح، بسبب خوض عرض الصحراء الغربية في السياسة. وقررت استضافة الجمهور في حلقتها التي حاكت القوال وغازلت الكوميديا ديلارتي، واستحضرت (المسرح داخل المسرح)، دون أن تشعر المشاهد بوجود كل هذا المزيج، بل وسعت إلى توريطه في العرض من حين لآخر.
كان عرض (عرس الذيب) عرضا شعبيا اعتمد على اللهجة المغربية الشعبية والموسيقى المغربية التراثية، والزي التقليدي المغربي، وطعم هذه المفردات بالتلقائية والارتجالية أحيانا.
استغل المخرج الفضاء بشكل مكثف فكان يحيل المشاهد إلى الأحياء والأزقة، أين تقدم الفرق عروضها مقابل المال، وتقدم الفرجة المطلوبة مع الكثير من الحكمة والمواعظ، ويتسلل به في أحيان أخرى إلى قلب القصور الملكية، أين يحرص الملك على أن يورث الأمير الكرسي، ومعه كل معاني الاستبداد بالشعب، وحرمانه من الحريات، حتى ولو تطلب الأمر اللجوء إلى القتل من أجل البقاء في الحكم، وهو حال الأنظمة العربية التي حلقت بعيدا جدا عن سماء الديمقراطية.
هكذا كان حال (عرس الذيب) الذي حاول كسر العلبة الإيطالية مستعملا ديكورا متحركا، يأخذ أحيانا شكل القصر وأحيانا اخرى شكل القبر.
حضر الحلايقي بعد غياب طويل ليربط بين الاحداث التي دارت في قصر ملكي، وفي بيئة شعبية بسيطة، أبدع خلالها الممثلون في الانتقال من شخصية إلى أخرى. ويقول الحكم والعبر لشد انتباه المشاهد وتمرير رسائل العمل.
مسرحية (_عرس الذيب) لفرقة بصمات المغربية ألفها وأخرجها ابراهيم أرويبعة، وصممها سينوغرافيا محمد المنشور، فيما حركها ركحيا حسن بن بديدة رشيدة كرعان ويوسف التوتري.
اسيا شلابي
المصدر : الشروق اونلاين 2-11-2012