
ومهرجان دولى بالملايين.. للرقص
مقال عمره عام ونصف وامريكا لم تزل على حالها .. و.. نحن كذلك
امريكا تعمل على ترقيص العالم العربى
د. حمدى الجابرى
ما هو السبب الذى يدعو العرب الى الوقوف موقف العداء من الخير الذى تقدمه امريكا لهم ، والى متى ينكر العرب فضل أمريكا ودورها فى الإرتقاء بهم من أسفل سلم المدنية والحضارة ، أى من الهمجية والبداوة ، الى أرقى وأفضل ما وصل اليه التقدم فى العالم ، والدليل موقفهم من فن الرقص الحديث ..
فقد حرصت أمريكا منذ عام 1984 ، كما يذكر موقع وزارة الخارجية الأمريكية، على اقامة مهرجان سنوى احتفالى للرقص يتم فيه تجميع عدد كبير من مصممى الرقص والرقصات من أكثر من عشرين دولة من بينهم مصر ومصممها الأشهر ولبدعونى الذى كان مشمولا ولسنوات طويلة برعاية فاروق حسنى وزير الثقافة رغم سخط كثير من المثقفين المصريين وعدم اقتناعهم سواء بالمصمم أو رقصاته أو حتى بالوزير نفسه ، ولكن لأن ” طول العمر يبلغ المنى ” استمر عونى فى تقديم ” فنه ” كل عام منذ بداية التسعينات ، والأكثر أنه استمر فى تمثيل مصر فى الاحتفالية الأمريكية منذ بدايتها وحتى آخر دورة العام الماضى ..
ونظرا لما كان يشعر به وليد عونى من حماية عليا ، لذلك كثيرا ما كان يتفاخر بأن فرقة الرقص المصرى الحديث التى أنشأها من أجله خصيصا الوزير فاروق حسنى عام 1992، هى ” أول فرقة مسرحية للرقص الحديث فى العالم العربى ” ، وبالتالى فله ولوزيره فضل الريادة الذى لا يجب أن ينكره جاحد خاصة وأنها قد نجحت ربما فى تحقيق بعض الهدف الأمريكى من مهرجان الرقص وذلك عندما يؤكد عونى على أنه وفرقته قد أصبحا المثال النموذجى للعالم العربى.
وبالطبع لا مجال هنا للحديث عن الأهمية الحقيقية للفرقة الوليدة ، رغم السنوات الطويلة من عمرها والإمكانيات المادية الضخمة التى سخرت لها من ميزانية وزارة الثقافة ، والأكثر ، مدى نجاحها فى الرقى بالانسان المصرى دافع الضرائب الذى لم تتح له ذات يوم فرصة الإقتراب من عروض الفرقة فقط لأن الهانم وعلية القوم هم الجمهور المستهدف ، وأيضا لأن عروضها تقام فى الأوبرا التى لم يكن مسموحا إلا للخاصة بإرتيادها وبزى محدد وبتذكرة معلومة .. وقد يكون هذا النقص الشديد هو الذى حاول تداركه ” عونى ” بعد أن تلقى ووزيره سهام النقد بتأكيده على أن هدف الفرقة ” وضع مصر على خريطة التطورالمسرحى العالمى ” وإن لم يوضح ذات يوم عن كيفية تحقيق ذلك ، وعندما أكد أن ما يقدمه باسم الرقص الحديث هو ” رسالة حرية ” لم يقم بتفسير الحرية التى يقصدها ، ليظل التلميح قائما حول ان بقية الفنون المصرية الراسخة كانت ” رسالة عبودية ” للقيم والتقاليد والأخلاقيات المستقرة !!
ومع استمرار الفرقة والدعم ، استسلم الجميع للقدر الذى فرض عليهم الفرقة وصاحبها ، خاصة مع اصرار الوزارة والحكومة منذ عشر سنوات على اقامة مهرجان الرقص المسرحي الحديث الذى اقيمت العام الماضى دورته الحادية عشرة واستمرت لمدة ثلاثة أسابيع بمشاركة كل من أميركا وفرنسا وألمانيا وسويسرا واليونان وتركيا وتونس وتشاد والسودان ومصر .. والحقيقة أن احدا فى مصر لم يتصور أن الأمر ربما يكون أكبر من مجرد رغبة الوزير ، خاصة بعد أن نجحت مصر وفرقة الرقص الحديث فى التأثير على العالم العربى فشهدت تونس فى ابريل الماضى الدورة السابعة للرقص المعاصر ، وفي سوريا في نفس شهر أبريل أقيم ملتقى دمشق للرقص المعاصر، ومثله وفى نفس اشهر مهرجان رام الله للرقص المعاصر ، وأعتقد أن اسم رام الله ربما جاء لصرف النظر عن صاحب الاسم الحقيقى .. اسرائيل!
وحتى لا يسيىء أحد الظن بشهر ابريل صاحب الكذبة الشهيرة نسارع الى القول أن هذا الشهر هو الذى حددته منظمة اليونيسكو لمهرجان الرقص العالمى منذ عام 1982 أى أن العالم كله يجب أن يرقص .. فى ابريل وفقا لتعليمات اليونيسكو التى يجب ألا يخرج عليها أحد فى العالم العربى وإلا حلت عليه اللعنة اليونيسكوية وقبلها الأمريكية !!
الغريب أنه رغم كل خدمات الفرقة ربما للأهداف الأمريكية التى حاول تنفيذها فاروق حسنى على ما يبدو ، وكذلك الالتزام برغبة اليونيسكو فى أن يرقص العالم فى شهر ابريل بما فيه الدول العربية وتشاد واسرائيل ، إلا أن الوزير السابق لم ينل الجائزة ، وضاع منه منصب مدير اليونيسكو الذى رشحه لها الرئيس السابق حسنى مبارك !!
والأغرب ، ان الفرقة فى مصر الآن ، ونحن فى شهر ابريل ، ولا يدرى أحد هل ستقوم بتقديم عروضها ولمن بعد أن تم الزج بمعظم جمهورها فى السجن فى قضايا الفساد المعروفة فى مصر ، وطبعا لن يتصور أحد أن تلقى الفرقة نفس مصيرهم ، وإن كان من المحتم أن يكون مستقبلها مظلما ، خاصة بعد أن تسلم امريكا بأن العرب قد رفضوا نعمتها ومحاولاتها دفعهم الى طريق التقدم والرقى عن طريق .. الرقص الحديث .. غير المأسوف عليه فى مصر اليوم على الأقل ، بينما مصيره فى العالم العربى سيظل معلقا بنشوب ثورة مماثلة للثورة المصرية .. وهو ماقد لا يطول انتظاره !!
صوت العروبة 17-4-2011