كالعادة فى المهرجانات .. لم يكن مهرجان الخليج السينمائى اسعد حظا .. سينما فاخرة خالية بدون جمهور تشكو مقاعدها الفارغة غياب من صنعت لهم ، وعدد من المترددين على العروض اليومية لا يتغير أغلبهم من ضيوف المهرجان مع قليل من الصحفيين الذين حضروا فقط من أجل عمل تغطية للمهرجان فى صحفهم وعدد لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة من المتفرجين مثلى ممن كان يحدوهم كثير من الأمل فى مشاهدة طفرة السينما الخليجية فى مهرجانها الثانى الذى عقد فى الكويت منذ أيام خصوصا بعد أن أصبح الحديث عن السينما الخليجية ومهرجاناتها زادا يوميا لكتاب الصحف وقرائها .. وبالطبع كانت النتيجة للأسف .. مخيبة للآمال .. ليس فقط للأسباب السابقة ولكن أيضا ، وهذا هو الأهم ، لأن الأفلام المشاركة نفسها ليست أكثر من محاولات أولية تكاد أن تكون بدائية لمجموعة من الشباب الطيب المتحمس لتقديم فن يستهويهم دون أن يكلف بعضهم نفسه حتى عناء التعرف على أولوياته وقواعده ومتطلباته .. لذلك جاءت معظم الأفلام فى المشاركة فى المهرجان فى حدودها سواء كتجربة أولى أو كتجربة لم يتم الإعداد لها جيدا .. فضلا عن عدم تحديد أصحابها لهدقهم أو الجمهور المستهدف من فيلمه أحيانا .. ولذلك جاء الجزاء من جنس العمل فلا أحد رآهم ولا أحد قام بتوجيههم الى ما فيه الصواب لهم ولفنهم الذى لم تتحدد ملامحه ..
الطريف فى الأمر أن هذا كله كان جزءا مما توقعه المشاركون فى الندوات الفكرية المصاحبة للمهرجان التى أفاض اصحابها فى الحديث عن السينما الخليجية والتحديات الكثيرة التى تواجهها وإن كان أحدهم لم يتطرق الى أسباب إنصراف الجمهور عنها ومع ذلك إنصرف إهتمام معظمهم الى مطالبة الدولة بالقيام بدورها فى دعم الفيلم السينمائى الخليجى وهى مطالب مشروعة وملحة خصوصا بعد أن شاهدنا جميعا أثر تقاعس الدول العربية فى الخليج عن القيام بهذا الدور من خلال الأفلام المعروضة ذاتها ..
والأغرب فعلا هو أن الفنان السينمائى الخليجى وكذلك كل من شارك فى هذا المهرجان قد فاته إستثمار فرصة ذهبية قدمها لهم المهندس على اليوحة أمين مجلس الثقافة والفنون الكويتى مستضيف المهرجان عندما أعلن للمتحاورين فى الندوة الرئيسية عن إستعداد الدولة لتقديم كل ما تحتاجه صناعة السينما الخليجية فقط عليهم أن يحددوا مطالبهم بوضوح مع آلية تنفيذها وهو ما لم يحدث للأسف الشديد ولو من أجل إختبار جدية طرحه ، والأكثر غرابة أن توصيات لجنة التحكيم نفسها لم تتطرق الى هذا أيضا إذ جاءت عامة دون أن ترقى الى ما طالب به الجميع من قبل فى الصحف واللقاءات الفردية أو الأحاديث الجانبية .. وبهذا ضاعت على المهرجان والضيوف الفرصة الوحيدة التى تم عرضها على يد المسؤول عن الثقافة والسينما رسميا فى الكويت لأن المجلس لديه مراقبة للسينما الإدارة الرسمية الوحيدة التى واظبت على حضور أفلام المهرجان لتذلل العقبات التى قد تنشأ ، وبالطبع لم يكن منتظرا منهم أو من المجلس أو رئيسه تقديم ما هو أكثر ببساطة لأن الإبداع مسؤولية كل مبدع وما على المسؤول الثقافى بحكم منصبه سوى إتاحة الفرصة لتسويق هذا الإبداع وعرضه فى مثل هذه المناسبات المهرجانية حتى ولو لم يكن للفيلم من إسمه نصيب أحيانا والدليل وجود بعض الأفلام البدائية فى المهرجان نفسه ..
أما الإحتكاك والتواصل بين المبدعين فإنه هو أيضا أمر بالغ الصعوبة خاصة مع تربص كل منهم للآخر ليس فقط بسبب الغيرة الفنية المحمودة ولكن بسبب الجوائز البسيطة المقررة للأفلام فى بالمهرجان والتى تكاد أن تكون العائد الوحيد لصناعها الذين يتحملون تكلفة صناعتها المكلفة ماديا ، وهذا أيضا أحد أسباب ضعف هذه الأفلام وهو ما يتضح أثره من مجرد معرفة تفاخر أحدهم فى المهرجان بأن فيلمه لم يتكف أكثر من دينارين ونصف لتأكيد تغلبه على العائق المادى وإن لم يتغلب بالطبع على .. العائق الفنى والفكرى !!
تبقى الإشارة الى أنه رغم الثراء الشديد لدول الخليج إلا أن غياب البنية التحتية اللازمة لأى صناعة سينمائية فى العالم بالغ الوضوح فمثلا لا توجد استوديوهات أو معامل أو معاهد أو حتى مؤسسات إنتاجية ليبقى الأمر فى الأغلب الأعم متروكا للإجتهادات الفردية هنا أو هناك وهى لا تكفى طبعا لإقامة ما يسمى بصناعة سينما بل وأحيانا لا تؤدى حتى الى صناعة فيلم واحد وهو ما أدركه ولاشك أصحاب المهرجانات فى العالم وليس فى الخليج فقط لذلك جاءت التفسيمة المعتادة للمسابقة والجوائز فى مهرجان الخليج ( فيلم روائى طويل وآخر قصير ) و ( فيلم وثائقى طويل وآخر قصير ) وجوائز تصوير وتمثيل بينما لم يكن للسيناريو أية جائزة لولا أن تداركت لجنة تحكيم المهرجان فى الكويت هذا الأمر فتم عمل جائزة للسيناريو بمساعدة شركة السينما الكويتية .. وهو أمر يمكن أن يكون دالا فى حد ذاته إذا ما أخذنا فى الإعتبار أن معظم الأفلام المشاركة بأنواعها يقدمها الهواة وبعضهم يقترب من فن السينما لأول مرة فى حياته دون أن يكون لديه حتى .. سيناريو لفيلمه !!
هذا ولا يمكن إغفال تضخم الذات المعتاد عادة ممن لا يعلمون كأحد آفات الممارسات السينمائية العفوية والذى قد يدفع بعضهم الى التعالى على المعرفة والنقد وهو ما يقابله من الناحية الأخرى المطالبة بأن يترفق النقاد بالأفلام المشاركة فى المهرجان لأنها مجرد إجتهادات لهواة جدد وهو ما حدث ويحدث عادة فى مهرجانات الخليج المختلفة ، وهو فى حد ذاته يمكن أن يكون عاملا مساعدا لإستمرار الوضع على ما هو عليه من هبوط إذ ينتج عنه إستمرار الوضع السينمائى على ما هو عليه وأيضا إستمرار تضخم الذات وعدم التعرف على الحقيقة وهى أن ما يقدمونه هو مجرد ممارسات لهواة وبعضها كما تم وصفها فى المهرجان بأنها ليس لها علاقة بفن السينما ..
ولهذه الأسباب مجتمعة لابد من التوقف بجدية عند الأفلام المشاركة ذاتها للتعرف عليها وعلى الحركة السينمائية فى البلدان الخليجية المختلفة ..
د. حمدى الجابرى