
عثمان الصينى
من أخلاقيات الحوار والكتابة وإبداء الرأي والردود أن يناقش الإنسان شخصا يملك حق الرد أو الدفاع عن نفسه في حالته الطبيعية حتى يصبح السجال متكافئا وإبداء الرأي مكفولا ومتاحا للطرفين، ولذلك ليس من الأخلاقي أن ينبري شخص للهجوم على آخر توفاه الله فلا يستطيع الرد وكان صامتا في حياته لم يتكلم فإذا مات انطلق في نقاشه والرد عليه لعلمه أن الطرف الآخر لن يرد عليه، ومن هذا الباب من يسند أخبارا وقصصا عن أشخاص راحلين وأحداثا عايشوها لأنها تكون فقط من جانب الراوي أما المروي عنه فهو رهين قبر لا يملك معه تصديقا أو تكذيبا، ويدخل في ذلك أيضاً من يسلط هجومه على مريض أو سجين ليس من باب الإشفاق ولكن من باب أخلاقيات السجال، وكان بإمكانه أن يتكلم قبل مرض الآخر وسجنه أو ينتظر إلى حين شفائه وفك أسره، وهذا السجال غير المتكافئ يظل أهون أخلاقيا من أشخاص يمدحون أناسا فإذا ماتوا أو سجنوا سلقوهم بألسنة حداد مهما كان مبررهم بأنهم غابوا عن الوعي أو غرر بهم فهي جميعها تعد كتابات لا قيمة لها ولا تبعث على احترام قائلها، وأهون منها كلها أن يكون هناك سجال بين شخصين في حياتهما وكل منهما أخذ وأعطى وناقش ونوقش وهاجم وهوجم وكلاهما كان يمتلك ناصية القول وحق الرد، ثم ينجلي غبار المعركة الأدبية أو الفكرية ويمضي كل إلى غايته ويموت أحدهما فيعيد الآخر المعركة من جانب واحد بعد أن تكون المعركة قد بلغت مداها وانتهت.
ومن هذا الباب مقالات الدكتور جابر عصفور الذي اشتبك مع الدكتور عبدالعزيز حمودة في معركة نقدية وصفها جمال الغيطاني بأنها معركة نهاية القرن وكانت معركة حامية شاركت فيها أقلام أخرى ثم هدأ أوارها، واليوم يعود جابر عصفور بعد رحيل عبدالعزيز حمودة إلى كتابة سلسلة مقالات في العربي بعنوان استدراكات بنيوية مبررا لذلك بوجود سلبيات في كتاب حمودة سها عنها أو اطلع على مراجع لم يعرفها، وكم هو مؤلم أن يختتم ناقد ومفكر كبير بحجمه مسيرته بأخطاء بحجم قبول حقيبة الوزارة أو بمثل هذه المقالات.
المصدر: صحيفة الشرق ١٤-٠٧-٢٠١٢