
ريمون يجسد القذافى
باسم صادق
حينماكتب المؤلف السويسري العبقري فريدريش دورنمات (5يناير 1921 – 14 ديسمبر(1990مسرحيته الشهيرة)رومولوس العظيم) عام 1949 والتي ترجمها أنيس منصورعام 1978 ضمن إصدار للهيئة العامة للكتاب بعنوان)هي وعشاقها) يضم أربع مسرحيات كوميدية لدورنمات، كان شغوفا بفكرة الحكام الطغاة فاستلهم قصةامبراطور من أباطرة روما أصر علي أن يهلك ويدمر دولته تماما دون أن يحرك ساكنا في سبيل إنقاذها لأنه تيقن تماما أن دولته قد فسدت وتخربت من داخلهاوأنه ينبغي لها أن تموت ولذلك فهو يتصرف بحمق يصل إلي حد الجنون تجاه كل القرارات التي تحكم مصير دولته، وبطل المسرحية هو امبراطور (مضحك) حكم روما عشرين سنة وأحس منذ سنوات حكمه الأولي أن هذه الدولة متعفنة وأنه لا أمل في حياتها ولا أمل أيضا في علاجها وأحس بوضوح أنه هو شخصيا لا يستطيع علاجهاولا أن يطيل عمرها ولا أن تعيش أو ان يدافع عنها أحد ، ولكن البطل (رومولوس العظيم) شجاع استطاع أن يواجه مواطنيه بهذه الكارثة، واستطاع أن يقرأ مصيره الذي ينتظره، فارتضي ثمن شجاعته وأخذ يجرد دولته من كل سلاح وأي مشروع عظيم وأي تنظيم بل وأية وسيلة من وسائل الحياة وعندما تتقدم قوات الجرمان من روما لتحتلها فإنه لا يخاف ولا يهرب ولا يشعر بأية مفاجأة لأنه توقع هذاالزحف فاستخف بحرص شعبه علي أن تعيش روما،لأنه من وجهة نظره لابد ان تموت أمة، لكي تبعث أخري أكثر منها مجدا وفتوة.
وأتصور أن دورنمات كان يستشرف في تلك المسرحية مستقبل الجماهيرية الليبية، فقد قدم بروفايل شديد الخصوصية للزعيم معمر القذافي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمرتصرفاته، دون أن ندرك أننا أمام ممثل بدرجة فنان قدير إذا جاز التعبيرباللغة الوظيفية لمسرح الدولة ، فبادئ ذي بدء تفوق القذافي على رومولوس العظيم في عدد سنوات حكمه التي بلغت ضعف عدد سنوات حكم الأخير، ورغم كل مايفعله القذافي في شعبه من قتل وتمثيل بالجثث واغتصاب للنساء يصول ويجول في طول ليبيا وعرضها كأنه بطل مغوار.. غول يبتلع كل من حوله في مسرحية حاك بنفسه تفاصيل أحداثها، فقرر أن يداعب ويلعب بعقول باقي الشخصيات الدرامية،فهو رجل يستخدم كل حركاته وإيماءاته وإشارات يديه وحتى ملابسه ونظاراته الشمسية متعدد الاشكال والأنواع بحيث يرسل برقيات سريعة مكثفة لكل معارضيه ولقوات الناتو بأنه باق حتى إسدال الستار عن أحداث حياته، وأنه لن يتنازل بسهولة عن مجده الذي كونه خلال 40 عاما، وليس أبلغ على هذا من المشهد الذي بثه التليفزيون الليبي منذ أيام ليجسد به القذافي ذروة الحدث الدرامي، الذي تفوق فيه على أمهر كتاب الدراما في العالم، ليضرب بتوقعات الجميع بقرب نهايته عرض الحائط، فقد ظهر فيها العقيد معمر القذافي يلعب الشطرنج مع الروسي كيرسان ايليومجينوف رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج، وبحضور محمدالقذافي ابنه البكر والذي يرأس اللجنة الأولمبية الليبية ويدير قطاع الاتصالات في ليبيا، وقد ظهر القذافي مرتديا عباءة بنية اللون ونظارات شمس سوداء، كما قالت وكالة الأنباء الليبية يومها أن القذافي التقى ايليومجينوف بناء على طلب الأخير وإن الأخ القائد لبى رغبة رئيس هذا الاتحاد في إجراءمباراة بينهما في لعبة الشطرنج رغم التحليق المكثف لطائرات حلف الناتوالصليبي وقصفها المستمر لمدينة طرابلس.. والأغرب أن رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج قال إن اجتماعه مع القذافي لم يجر في حصن بل في أحد المباني الإدارية في العاصمة الليبية.
هذا المشهد يؤكد لنا أن القذافي هوالوجه الآخر لرومولوس العظيم ولكنه وجه أكثر بشاعة وظلما وطغيانا فهذه المباراة في الشطرنج ما هي إلا معادل للعبة الموت التي يواجهها القذافي ضدالناتو وشعبه، ومازال الستار مرفوعا.
المصدر : مسرحنا