
الأعرجي يصل إلى شواهد تكشف عن أن العرب قد لا يكونوا عرفوا المسرح بالمعنى الذي عرفه اليونان لكنهم بالقطع عرفوا فن التمثيل.
يسود الاعتقاد بين الباحثين ان العرب لم يعرفوا شيئاً من النشاط التمثيلي والمسرحي قبل أن يؤلف (مارون النقاش) أول فرقة مسرحية عربية في بيروت عام 1848 وهي ظاهرة أدهشت الكاتب د. محمد حسين الأعرجي وهو استاذ جامعي عراقي، عمل في كلية الآداب بجامعة بغداد ودرس في قسم الفنون الجميلة بأكاديمية الفنون بها, ويعمل استاذا بجامعة (أدم مسكينج) ببولندا.وفي ضوء الحقيقة التاريخية التي تقول إن حتى القبائل البدائية عرفت الواناً من النشاط التمثيلي على نحو يصعب معه تصديق أن العرب رغم حضارتهم لم يعرفوا هذا النشاط فانكب على كتب التراث التي تروي تاريخ العرب حتى القرن الرابع الهجري، ليجد شواهد تكشف عن أن العرب قد لا يكونوا عرفوا فن المسرح بالمعنى الذي عرفه اليونان لكنهم بالقطع عرفوا فن التمثيل.
إجماع الباحثين لم يكن يخرج من نفي معرفة للعرب شيئاً من النشاط التمثيلي أو المسرحي حتى بدا من البديهي أن يبدأ مؤرخ المسرح العربي بالنصف الأول من القرن التاسع عشر وبعام 1848 على وجه التحديد، فيحدثنا عن تأليف مارون النقاش أول فرقة مسرحية عربية في بيروت وان مهد لحديثه عنه بحديث آخر.
عن احتكاك العرب بالحضارة الأوروبية واتصالهم بها وسبل ذلك الاتصال كان ذلك دأب أغلب الباحثين وكأنهم من أشد المؤمنين بمقولة شيكسبير (أن تكون أولاً تكون تلك هي المسألة( فإما يكون للعرب مسرح متكامل كما كان لدي الإغريق والرومان وإلا فإن الحديث عن المسرح عربي ضرب من الهدر للوقت، ودليل على الشعور بالنقص.
يتمنى د. حسين الأعرج من الباحثين أن يكلفوا أنفسهم عناء إثبات غياب النشاط التمثيلي عن العرب قبل إن يكلفوا نفسهم البحث في اسباب غياب هذا النشاط، وأنه من الغريب حقاً أن تعرف القبائل البدائية ألوانا من النشاط التمثيلي في طقوسها الدينية ولا يكون للعرب شيء من هذا النشاط، وهم في قمة حضارتهم خلال القرون الهجرية الأولى، ويشير الكاتب إلى أن تلك مسألة (طالما وقفت عندها مستغرباً. لم أجد جواباً سوى اشارات غير ذات قيمة أثناء مطابقات في بعض كتب التراث تدل على معرفة العرب بفن التمثيل معرفة بدائية(.
وكتاب الراحل د. مصطفي جواد (المباحث اللغوية في العراق ومشكلة العربية العصرية)وكتاب (الديارات) وجد محققها كوركيس عواد قد وقفت عنده أيضاً. وأشار إلى مصادر أخرى وكذلك تشجيع الدكتور علي جواد الطاهر في المضي، وزوده بكتابين يوحي عنوانهما بصلة وثيقة بالموضوع إن لم يكون المسرح هما (العرب والمسرح( محمد كمال الدين و(العرب وفن المسرح) للدكتور أحمد شمس إليهم وكتابين ولم يجد الكاتب اشد تناقضاً منهما مجتمعين، ففي الوقت الذي لم يكد يجد كمال الدين شيئا إلاّ اعتبره مسرحاً، ابتداء بدومة الجندل وعكاظ والمربد وإنشاد الشعر فيها وإنتهاء بمقامات الهمذاني والحريري وحكايات ألف ليلة وليلة. وكذلك لم يجد فيها إشارة واحدة تدل على أن مؤلفيها قد بحثا عما ينبغي ان يعتمداه من أدلة وشواهد في المصادر العربية لا علاقة لها بالمسرح.
ويوضح د. الأعرجي في سطور كلماته قائلا (لقد وقف الأستاذ محمد عزيزة في كتابه الإسلام والمسرح عند لغز غياب المسرح في حياه العرب والمسلمين، بالرغم من أن الحضارة الإسلامية تمتلك تراثاً أدبياً لا حد لغناه وكثافته، ويظل الكاتب يمضي في هذا البحث بمفرده دونما دليل حتي ظهور بحث في مجلة (آفاق عربية) للدكتور محمد يوسف نجم تحت عنوان (صور من التمثيل في الحضارة العربية(، وهو بحث ينطلق من الوقائع نفسها دون افتراضات مستقبلية ويختلف الباحث الأعرجي معه في بعض اجتهاداته وانطلق من بحثه من هذه الشواهد المتناثرة في بطون كتب التراث نفسها.
ويقع كتاب (فن التمثيل عند العرب) للكاتب محمد حسين الأعرجي في أربعة فصول: الفصل الأول يتناول: الحكاية والكرباج من العصر الجاهلي حتى نهاية الأموي. الفصل الثاني، عن: الحكاية في العصر العباسي. الفصل الثالث يتناول: الحكاية في مجالس الخلفاء والأكابر. أما الفصل الرابع فخصصه لأبو القاسم البغدادي.
القاهرة ـ من مجدي عيد
المصدر : ميدل ايست اونلاين 04 يوليو 2012