
العالميحتفل بمائة عام علي ميلاده
آلبير قصيري : الرجل الحر
في حوار عن المرأة والحب والقاهرة والكتابة
Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:”Table Normal”; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:””; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:”Calibri”,”sans-serif”; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} حوار: ميشال ميترانى ترجمة : أحمد عثمان
في الثانية والتسعين من عمره،التزم بجمل مثل : )أحب،بعد أنيقرأني الناس،أن لايذهبوا إلي أعمالهم في الغد). تمتلك كتب آلبير قصيري،الأديب المصري المقيم في باريس منذ1945،في الغرفة58بفندق )لا لويزيان)،جاذبية منفتحة وحكمة معدية،وتحمل نظرة حية ودقيقة عن العالم الذييجعل القارئيتساءل عنه. هو ذا،من بين حجج عدة،يتبدي لماذا جمعت دار النشر (دويل لوزفيلد) أعمال هذا الكاتب الحر الكاملة مما جعله حدثا أدبيا كبيرا. والمناسبة هي العودة إلي أحد أهم الأدباء الأخاذين في المشهد الأدبي الفرنسي المعاصر.
المكتب،لميعرفه آلبير قصيري أبدا. ولد في القاهرة عام1913،لعائلة من ملاك الأراضي الصغار. درس في مدارس كاثوليكية وفي سن العاشرة،بدأ الكتابة،قبل أنيتجه إلي الدراسة بالليسيه الفرنسية. في السابعة عشرة من عمره،غطس في قراءة بلزاك بشغف كبير،وعندما بلغمونبارناس كانت لديه الرغبة في اكتشاف هذا الحي الشهير.
في1941،صدرت بالعربية والفرنسية في آن معا مجموعته القصصية الأولي )الناس الذين نساهم الرب)،ثم قدم هنري ميلر الطبعة الإنجليزية : )لميكتب أي كاتب حي بهذه الحدة والقسوة عن حياة الذينيشكلون القاعدة العريضة من الجماهير…). خلال الحرب،عمل قصيري رئيسا للخدم علي باخرة تعمل بين نيويورك وبور سعيد. في الميناء،كتب أولي رواياته : )منزل الموت المؤكد)،قبل أنيستقر نهائيا في فرنسا،في هذه الغرفة الكائنة في شارع السين والتي لميزل قاطنها حتي اليوم. )فكر العالم كلهيوجدفي هذا الحي)،هكذا أعرب قصيري عن حنينه. هو،من لميعمل أبدا بالمعني المألوف للكلمة والذي أمضي عشر سنوات لكييكتب كتابا،عاش الحيل في باريس الأسطورية حيث كان مالكو المعارض الفنيةيهدونه أحيانا لوحة فيبيعها لكييسدد إيجارغرفته. في (مقهي) فلور،عنده حساب مفتوح. كان كأصدقائه،آلبير كامو وروجيه نيميه أو لورنس داريل ضمانة مؤكدة كضمانة المصرفي. يا للزمن !
كما شخصيات رواياته التيينصهر معها )هذه الشخصيات حياتي،ذريعة لحكي ما أفكر فيه عن هذا العالم) لميرض قصيري بأي عقبة تهدد حريته،مؤكدا نصف جاد )أنا حي لأنني لم أتزوج أبدا،وليس لدي أبناء،خادمة،سيارة ولا فاتورة كهرباء. يكفيني أن أحيا). شخصيات رواياته،أطفال من قاع المجتمع القاهري أو شحاذون رائعون،بشائر هذه الفلسفة الحاذقة والمعقدة التي لايكشف صاحبها عنها بسهولة. مثله مثل جوهر،المعلم في )شحاذون ومتكبرون)،يشير إلي الفقر )إذ أننا نعلم الحياة بدون أن نعيشها هي جريمة الجهل المكروه للغاية). يمسك المعلم حساب منزل للدعارة ويكتب خطابات العاهرات قبل أنيقوده مصيره،تحت تأثير الحشيش،إلي الجريمة. حتي النظرة اللاذعة أحيانا المنذرة في )بيت الموت المؤكد)،حيث انتهي سكان المنزلغير الصحي إلي الاطمئنان علي أنفسهم بينما هم متأكدون أن منزلهم سينهار .
وبمناسبة100عام علي ميلاده الذييحتفل به العالم ننشر هنا ترجمة للفصل الثالث من كتاب :
ميشال ميتراني،حوار مع آلبيرقصيري،مطبوعات جويل روزفيلد،باريس.
آلبير قصيري،كتاب كل عشرة أعوام،ايقاعك لإنضاج الحكاية. هل ستعمل علي نشر )لصوص صغار ولصوص كبار) ؟
لم أعرف أبدا متي أنتهي من كتابة أي كتاب. يجب أن أقول أنني لست متعجلا بما أنني أكتب نفس الكتاب.
المينتج كبار الأدباء سوي عمل واحدب،كما قال مارسيل بروست ذات مرة.
بيد أن معظم الكتابيعرفونها جيدا… أقول في كل كتبي ما لدي.
نعم،يستحق كلامك أنيكون قابلا للتأويل بالنسبة للقراء الذينيحبون كتبك وينتظرون كتابك القادم.
لديك الحظ أنك تمتلك سبعة كتب لي. اذا كنت كتبت ثلاثين،كنت ستكون في حالة مزرية…
دراسة ضخمة لموريس بلانشو،معنونة )الحوار اللا نهائي)،كما تعرف… علي وجه العموم،بما أن هناك فاصلا زمنيايقارب العشر سنين – تقترب اللفظة من نهايتها يفصل بين ظهور كتبك كإحصائية –،لماذا تظل وقتا طويلا في الكتابة ؟
لأنني أعمل… لتفترض خمسة عشريوما متتابعة،ثم أبقي شهرا بدون كتابة. يتأتي أن أبقي ثلاثة أشهر بدون أن أفعل شيئا،قبل أن أعاود الكتابة. الكتابة صبر طويل.
اذأ،لا تكتب منهجيا كليوم،كمايفعل بعض الكتاب ؟
بالطبع لا !
كل نهار في العاشرة صباحا…
أنهض متأخرا. أحتسي قهوة. تلزمني ساعتين حتي أبدأ العمل.
كيف تحافظ حياتك اليومية علي رابطة مع مصر،التي تلقح نتاجك ؟
قلت لك أنني لم أغادر مصر،أي أنني أحيا دوما نفس المناخ.
تحيا في باريس،ولا تقرأ )الأهرام) كل صباح،حتي تكون مطلعا علي مايجري.
نعم… لا أشتري )الأهرام). في تناقص،أقرأ بالعربية،لأنه علي مدي خمسين عاما في باريس،أصبح الأمر صعبا. أنا خجل. مع من سأتحدث العربية ؟ حتي عندمايأتي إخوتي الي باريس،نتبادل الأحاديث بالفرنسية. أصدقائي المصريون الذينيأتون،يتحدثون الفرنسية. آخر الأمر،ينسي المرء لغته علي مدي عدد من السنوات.
– ومع ذلك،اندهشت،حتي بعد العدوان الفرنسي–البريطاني الغبي علي السويس،من عدد المصريين الذين استمروا في الكلام بالفرنسية في حياتهم العادية. Comment ca va؟… كيف الحال ؟ كمايقولون في محادثاتهم الهاتفية،التييجرونها بالعربية والفرنسية،بلا تمييز…
نعم. من قبل،كان هناك الكثير ممنيتحدثون الفرنسية. الآن،لا توجد سوي فتيات العائلات المرموقة لأنهن درسن في مدارس الارساليات،لدي (مدراس) الأخوات… لا أعرف أية مدرسة.
يجب أنيعمل المصريون،ولذايتعلمون الانجليزية.
حتي أسماء الشوارع كانت بالفرنسية.
الحواسيب آمريكية…
نعم… الحواسيب… حتي اليوم،لا أعرف فيم تختص. لا تثير اهتمامي. سمعتهميتحدثون عن )المينيتل) (2)،غير أنني لا أعرفه،ولا أريد أن أعرفه. بالنسبة لي،يكفيني قلم رصاص وورقة،وهو كل ما أحتاجه للكتابة. غير أنني لا أكتب… الا اذا كان عندي شئ جديد لقوله،واذا لم أجده،لا أكتب. اذا كان لعدم قول أي شئ… ربما بسبب التعب عديم الفائدة،وبالتالي لدي كل الوقت !…
شخصياتك عربية وتتحدث بالفرنسية.
لا،أترجم كلامهم الي الفرنسية. لا أستخدم تعبيرا باريسيا خالصا،علي سبيل المثال… الكاتب الفرنسي الذييكتب عن باريس لديه حرية أكبر. يقول : عبرت الشخصية شارع سان-جاك ودخلت الي مكتبة…
لكي تنمي الموقف،هل تفكر بالعربية أم بالفرنسية ؟
لا،أفكر بالعربية،أي أمنح جملتي محيطا،ليس محيطا باريسيا أو،لنقل،غربيا. بالنسبة للحوارات أو الأجوبة،أفكر بالعربية. غير أن أسلوبي،في نفس الوقت،يأخذ شكلا آخر اذا كتبت حول باريس أو أي شئ آخر. لئلا أعطي الانطباع بأن فرنسيايكتب عن مصر…
دوما،تكتب،مباشرة،بالفرنسية.
نعم. ولكن هناك دوما،في عقلي،المناخ العربي،طريقة الكلام. تعرف حتي ان قال أحد لك )صباح الخير)،تشعر أن شيئا خلفها. أنه ليس دائما )صباح الخير) علي الطريقة الأوروبية،أي الذي لايعني أي شئ. وهذا السلام،يستلزم أن أرده.
في المعني : هل تعرف مع من تتحدث ؟
في مصر،يتبقي هذا أكثر شعبية،بدون طيف البورجوازي الصغير.
هل تمثل الكتابة بالفرنسية ضغطا خاصا ؟
بالتأكيد. يلزمني أن أجد الأسلوب اللازم. غير أنني أجده سريعا. مثلما لاحظت،منذ كتبي الأولي. لأن هناك شكل الذهن الشرقي،أخيرا… المصري بالأخص. هناك دوما شئ من الدعابة. بخصوص التحية علي وجه الدقة،هناك الصداقة،طريقة للسخرية منه. هناك دوما شئ ما.
هل تستطيع دوما أن تحكي مسعي اعداد الكتاب ؟
فيغالب الأحايين،سؤاليطرحه القراء،الذين لايعرفون الكتابة (أو لا تمتلكهم الرغبة)،وانمايحبون القراءة.
لكل كاتب طريقته في الكتابة.
وطريقتك ؟
بعض الكتابيكتب مباشرة ويقول لكم : أكتب خمس صفحاتيوميا،وهذايتبدي ليغريبا. لايكتب،بالضبطيحرر نصا ما. أنا أكتب جملة. فقط،أتفحصها عشرين مرة كي أضيف شيئا ما فيها.
كيف تولد فكرة الكتاب ؟
أنها عملية تحضير طويلة،ولهذا أخذ كثيرا من الوقت لكتابتها. بداية،لأنني لست متعجلا. ليس لدي أي طموح.
ألايتأتي هذا البطء من رفضك للتغيير،للجدول ؟ هل من الممكن أنيتغير كاتب ما حينمايحتوي نتاجه علي نفس الصور-القوي ؟
لست روائيا. يكتب الروائي كتابايدور في باريس،في افريقيا،في أي مكان في العالم،وبأي حكاية. قسرا،يغير الجدول،بينما أنا أعمل دائما علي نفس الشئ.
بطريقة ما،أ لا تغترف،في كل مرة،من مادة محدودة وثابتة ؟ لا أشير فقط الي وفائك الاقصائي لمصر.
نفس الفكرة موجودة في جميع كتبي،أعمل عليها بصورة مختلفة. الكاتب الحقيقييتصرف بالمادة المحدودة التي تمثل وجهة نظره للعالم.
من أين تأتي شخصياتك ؟ هل لها بطاقة وصفية مشتركة ؟
إنها شخصيات عرفتها في مصر،تمثل جزءاًمن هذا التصور عن العالم. أستطيع،بعد خمسين عاما،أن أكتب كتابا،بتفصيلة،بصفة للشخص الذي قابلته في شبابي. وبدون أن أدون ملاحظات،
لست في حاجة الي ملاحظات.
ذاكرة الكاتب انتقائية،كما قال جوليان جراك،تتعامل مع المخزون،ولكنها لا تحدد موضوع الكتاب ولا حبكته. ما دور الحبكة في رواياتك ؟
الحبكة… بالتأكيد،من الواجب أن أجد حبكة فريدة،لأن شخصياتي فريدة،لايمكن أن تحدث معها حكاية تافهة… عن سيد متزوجيحب امرأة أخري،وهكذا. بالتالي،أبتكر لها حكاية. ولكن الشخصيات هي التي تثير اهتمامي علي وجه الخصوص،وما سيقولونه. لأنه،بعد كل شئ،يعبرون عن فكري. فضلا عن ذلك،لا أعتقد أن القارئينشغل بالحبكة،وانما بالشخصيات. تعرف أن الناس الذينيأتون لرؤيتي،والشباب بالأخص،لميقولوا لي أبدا : كتبت رواية جميلة. أنهم مفتونون بالشخصيات وبما تعبر عنه…
-… بأسلوبك الخاص. جملك المرصعة بدقة تنتج صورا قوية،عنيفة دوما. بطريقة تقنية خالصة،تستعمل دوما الصفات. أنت سخي في استعمال الصفات.
لأنه،أيضا،أسلوب اللغة العربية.
من الصحيح أن هذه الصفات المباشرة للغاية لا توفر الحالة ولا الشخصيات النضرة. هذه الصفات تمحو كل التباس.
من اللازم أن تحتوي كل جملة علي النقد بينما أقوم بالوصف. اذا تكلمت عن مصباح،أقول عمنيملكه. أقول : مصباح الحكومة…
في )طموح في الصحراء)،بينت هيكل الدريك (4) صدئا بأكمله،أي أن الشركات النفطية أخفقت في عملها…
يخدم الأطفال الذينيلهون. يتسلقونه. يجب أنيؤدي الديكور دورا. لا أكتب روايات لكي أصف مدينة أو منظرا،هذا لا أهمية له.
لا تتردد أبدا عن تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية،الوغد وغد،وحتي الدنيء…
نعم ! أحب الأوغاد،أنهم منيمنحون الحياة بعض الملح.
الأوساخ هم منيقتلون كل فرحة حولهم،كما قلت علي لسان هيكل. وبالتالي،من هم الأوساخ،بالنسبة اليك ؟
أنه الفرد الذييستفيد من هذا المجتمع الذي نحيا فيه.
محتال… هل هذا الاحتيال الذي تعريه منهجيا عاما ؟
الاحتياليحيا منذ قرون وقرون.
ما هو شكله الأكثر مقتا ؟
الطغيان. غير أن الطغاة،دوما،موجودون. يوجدون دوما.
وبالتالي،بدون أدني شك،من العبث محاربتهم،لايثيرون الضحك ! اذا كنت فهمت جيدا،هؤلاء الطغاةيجب النظر اليهم علي اعتبار أنهم دمي متحركة،وكل طغيان أداة سخرية. يلهو البطل القصيري بها،ويريد أنيخلدهم لكييسخر منهم. للاحتيال مستقبل مشرق…
أنه دائم بما أن الأثرياء نصوا عليه،وكذا الناس الذين لهم مكانة ما.
هل من الممكن أن تعرفه ؟
أنه موجود في كل مكان ! فقط،هذا لايعني ألا نحب الحياة. الحياة رائعة. من اللازم التوفر علي صفة ما،أنيكون المرء ذكيا لكييخرج منه،ويلاحظ كل هذا الاحتيال بفرح،أي تناوله بسخرية،دوما…
متي تحتفي بالحياة،تحدد الأخوية للذوات.
الأخوة بين الناس الذينيتلاقون،لأنهم من نفس العائلة.
– غير أن هذه الأخوية لم تعد موجودة… مثل قصة حب بين )خبراء).
نعم،إنها ذوات تتلاقي،وليس جميع الذوات. لايعرف الناس سوي الحب بين رجل وامرأة،الذييعتبر صورة من صور الحب. تفكر شخصياتي في نفس الشئ،هم أنفسهم ضاعوا وسط هذا الاحتيال،وبالتالي تعارفوا. مثل أناس تائهين في الصحراء،وبالتالي هناك أخوة بينهم.
بين مدحت وتيمور،هيكل وكريم،سامنتار وشعث… بالتأكيد.
تبادلوا الاختيار.
إنها هبة الذات أيضا.
عرفت آلاف الأفراد،ولم أختر سوي أربعة أو خمسة منهم طوال حياتي. لقاء أحد أفراد العائلةيماثلك (أتكلم عن العائلة الفكرية) شئ نادر.
تفترض هذه الأخوية،هذا )الكمال)،فن العيش المشترك.
نعم…
وما هو فن العيش ؟
أن تتخلي عن كل ما علموك اياه،عن كل القيم،عن الدوغمائيات. وهذا ما قلته من قبل،أي أنيقوم المرء بثورته.
هل قمت بثورتك ؟
أوه ! وأنا شاب ! غير أن كان الحظ رفيقي،كان لدي إخوة أكبر مني،من المثقفين،وقرأت،في السن التييقرأ أطفال اليوم فيها الرسوم المتحركة،كل الكلاسيكيات الفرنسية.
ما الذييميز فن العيش لدي الشخصيات التي ابتدعتها ؟
في بادئ الأمر،انعدام الطموح. الطموحيقتل الناس. وأيضا هذا الاندفاع نحو مجتمع الاستهلاك. أنا،حينما أتابع الاعلانات في التلفاز،أقول في نفسي : يستطيعون أنيقوموا بهذا أمامي لسنوات،لن أشتري شيئا ممايعرضونه. لم أتمن أبدا سيارة جميلة،لم أتمن شيئا آخر سوي أن أكون نفسي. أستطيع أن أمشي في الشوارع ويداي في جيبي،وأشعر بكوني أميرا.
هذا الأسلوب الحياتي صاغشخصيات نتاجك. يعيشون علي الهامش،ويجابهون بالسخرية الصفة القمعية لمجتمعيعدد نظامه التنافرات،يعقدها طوعا )خلله الوظيفي)،كمايقال اليوم لكييحتال بصورة فضلي علي الناس. شخصياتك تحب الحياة الطبيعية،خارج كل ابتذاليحقق العنف. يتصرفون كأمراء علي خشبة الحياة،أيا كانت،وعلي وجه الخصوص حسبمايختارون أنيعيشوها.
هو ذا،الأرستقراطية الحقيقية،هي تلك المتحررة من هذا العالم الاستهلاكي،من العنف ومن الاحتيال.
لشخصياتك رقة خاصة ؟
ولكن هذايمنحنك،طبيعيا،رقة خاصة.
لايكرهون.
لايكرهون،بما أنهم لايملكون أي طموح. كالعادة،الطموحيكره الطموحين الآخرين مثله،الذينيريدون أنيبلغوا نفس المكانة.
أنه التحرر من ثروات هذا العالم الذي تمتدحه…
من الثروات،ولكن ليس من الحياة. لا تستطيع امتلاك الثروات أن ترضي انسانا ذكيا،فهم العالم الذييحياه. لأن الذكاء،يعني فهم العالم الذي نحياه ! فهمه كثير من الناس،ولكن من،لئلايفقد مكانه،أو أمام مديرهم،يستمرون في الكذب،في العيش في هذه الكذبة. اذا لميكن لديك مدير،اذا لميكن لديك أي دين لأي شخص،لست في حاجة الي العيش في الكذبة.
لا تعمل شخصياتك،لا تتبع أحدا. أنها أحرارمن خلال تحررها من كافة القيود والعمل.
نعم. هو ذا بالضبط.
بيد أن هذه المسافة،أ لا تفضي الي نوع من الأنانية،الي أريحية تحديدية،الي اختزال الحنو،حتي،أقول… أينيتموضع هذا الحنو الانساني في هذا التحرر ؟
ولكن بالضبط،هذا التحرريمنح الامكانية للمرء بأنيكون سخيا،بما أنه،كما قلت من قبل،لايوجد سوي الطموحين منيكرهون.
هل من الممكن أنيكون الحنو انتقائيا ؟
أنه انتقائي لأن المرء لايستطيع أنيحب سوي منيشبهه.
حينما أقول أنه انتقائي،بمعني أنه خارج العائلة الشرعية. ينتخب المرء أصدقاءه،يختار منيحبه.
شعرت بهذا لما كنت شابا،لأن،كما قلت في سياق حوارنا،والدي لميعمل أبدا وبالتالي لم أشعر بأي ثقل. تعرف،في العائلات التييستلزم أنيعمل الأب لكسب المال،أنيجلب المال للبيت،وبالتالي،هناك شئ من السلطة. لميكن لأبي أية سلطة علينا. لميقل أبدا : عليك أن تفعل هذا أو ذاك. ليس الآباء منيستطيعون تربية الأطفال.
أ لم تر أبدا الي أن المجتمعات من الممكن أن تتقدم ؟
التقدم الروحي،نعم ! ليس بالمعني الديني. الروحي،أي في الروح. صعب للغاية،ولذا لم تتقدم الانسانية قيد أنملة منذ آلاف الأعوام. نراه اليوم في كل مكان بالعالم : الناس تتكاره،يصنعون الحروب،يتقاتلون.
ولكن كيف تستطيع المجتمعات أن تصلح من شأنها بدون التقدم التقني،المادي ؟
دوما،في الاحتيال،أييدفع الفقراء ثمن هذا التقدم.
وبالتالي،بقدر مايتبقي من فقراء…
لا أقول إن العالم لايجب أنيتطور عبر التقدم. لست ضد هذا العالم. أتخلص منه بلباقة وذا كل شئ. هناك كثيرون مثلي.
مثل شخصيات كتبك ؟
نعم. ومثل كثير من الناس،الشباب بالأخص،الذين قرأوني. ولكن العالميستمر كمايريد. لست ضد أي شئ. يستمر هؤلاء،ويفعلون مايحلو لهم. غير أن لا رابط بيني وبينهم.
تتحدث في معظم الأحيان عن الدعابة،عن هذه الدعابة الخالدة التي تهيمن علي وجود الانسان المصري،يتبدي بالمثل أن التهكم والسخرية أمر قصيري خالص.
لا. كذلك الشعب المصري. يسخر من نفسه أيضا. تعرف،في مصر،كليوم،هناك حكايةغريبة،لا نعرف من أبدعها،عن الأحوال الراهنة. ولا أحديتضايق.
ولكن هناك معني للسخريةينتمي اليك ؟
نما من محيطي.
وجهة نظرك تنمي هذه السخرية…
في مصر،أنا،كنت ألهو طوال اليوم برفقة أصدقائي. إنها الطريقة الوحيدة لفهم الحياة. علي أي حال،بالنسبة لي ولكثير من الناس. في مصر،كنت محاطا بكثير من الناس الذينيفكرون مثلي. لم أبدع هذه السخرية.
أخيرا،بالمثل،في نتاجك،هناك تطور. رأيناه،يقدم كتاباك الأولان وقائع تشهد علي الشعب المصري ذ . ي بؤسهم الفظيع. في كتبك التالية،تنمي صفات الشخصيات،تتأكد أكثر فأكثر. شخصيات رئيسية،تبرز،شيئا بعد شئ،البطل القصيري الذييتكلم دوما علي لسانك. لايمكن أن نكتفي،حتي وان كان أرستقراطيا بالنسبة لك استحضاره،بأطروحتك عن كون هذه الشخصيات تنتج نماذج مجهزة سلفا،تمت مقابلتها في شبابك. السخرية المكشوفة البصيرة لرفيق من ابداعك. جوهر،
أبدعته. هيكل،سامنتار،شخصيتان مبتكرتان،حسبما نماذج بعيدة بدون شك. ولكن فيهم،هناك روح المبدع،النظرة،مهارة الكاتب،آلبير قصيري.
نعم،ولكن… بالتأكيد،هناك المهارة،بما أنني الكاتب الذييكتب… الذييصف هذه الشخصيات. هناك الأسلوب،هناك شئ من المغالاة أيضا،لأنني روائي،بقدر ما ان التاريخ لايثير اهتمامي. هذا هو كل شئ.
أهذا هو كل شئ ؟
ولكنني لا أخرج من عالمي،وهذا العالم،عشته. وأصفه،بالتأكيد،بطريقة الروائي.
تعيد ابداعه.
في رواية )تنابلة الوادي الخصيب)،كانت عائلتي التي وصفتها،وانماغيرت أحوالها بالطبع.
اذاً،هل تعيد ابداع هذا العالم ؟
نعم.
قبلته.
ولكنني أعيد ابداعه بكل تأكيد،بما أنني كاتب !
ألا تمتلك ارادة،دوما عبر الدعابة والسخرية،طرد المثير للشجن،الايمان الزائف،وما شابه آخيرا،المشاعر الصريحة المتعلقة بالقيم الهابطة لمجتمع مؤسس علي النفاق ؟
هذه المشاعر الانسانية،حذار ! مم ولدت ؟ ولدت من دوغمائيات نتعلمها،من قيم نتعلمها منذ قرون،وتجعل الانسان تابعا لهذه الدوغمائيات. اذا تخلصت منها،سيعم صفاء استثنائيالحياة. اذا،تري أن الأمر بسيط للغاية. لست كاتبا معقدا. لايمكن أنيقول أحد ما علي هذا. ولذا،بسبب هذه البساطة،لايفكر أحد في أن الأمر عميق،لأن،كما تعرف،بالنسبة للنقد… كلما كان الكتابغير مفهوم،كان عميقا.
في هذا الفن،فن الحياة،أية مكانة تحتلها المرأة ؟ لم تتحدث عنها أبدا.
ولكن المرأة تحتل المكان… الأكبر والمتميز.
ولكن ليس في هذه الأخوة،دوما بين الرجال.
بلي. ولكن… دوما هن شابات صغيرات السن. لا أستطيع أن أقيم علاقة مع امرأة بالغة،أي امرأة،ما تسمي امرأة. يلزمني أن أمتلك أفكارا مبطنة عنها.
للحكم عليها ؟
نعم. بينما فتاة صغيرة السن،لا أحكم عليها. شرحت هذا من قبل.
في آخر الأمر،هل تعبر شخصياتك دوما عن أفكارك في كتبك،دائما
نعم،أيضا،إنه الشرق.
نعم،أفكر في الكاتب المصري،توفيق الحكيم (5)،الذي أطلق عليه )عدو المرأة)…
أطلقوا عليه هذا المسمي لأنه انصرف الي مداعبات بدون سوء نية. وأنا أيضا،في كتبي،أسخر نوعا ما من المرأة. المرأة،وليس الفتيات صغيرات السن. ومع ذلك،لدي قارئات تقرأني…
ولكنك تمتلك شيئا كبيرا من التسامح مع الممالقين،أخيرا شخصياتك تحترم الممالقين،العاهرات. وهن كثيرات في كتبك.
غير أنهن جديرات بالاحترام،في كل مكان بالعالم،وليس من قبل شخصيات كتبي فقط. هذايمثل جزءاًمن العالم.
والأطفال ؟
نعم… أعشق الأطفال،وكما قال لوي كارول : )أحب كل الأطفال،ماعدا الأولاد). لأن الأولاد،أراهم أصبحوا رجالا. سوف أعترف لك : أحببت أن تكون لي بنات. لم أنجب أطفالا،اذ خفت أنيكون لي أولاد. اذا كنت أنجبت بنتا،لأحببت أن تظل طفلة…
أحتفظ بصورة هذا الطفل،العاري دوما،الذييجوب نتاجك والريف المصري. غريزته الحيوية تجعلهيري في بعض الأحايين الحقيقة قبل والديه،قبل البالغين ؟ ما الدور الذييؤديه في نتاجك ؟
يؤدي دورا في المشهد،لأنه موجود في هذا المشهد،ولكن هذا الطفل،ذكي للغاية،لأنه في الشارع،وفي الشارع نتعلم أن نحيا.
– الطفل ممثل أكثر عما قلته : عنصر بسيط مصور في المشهد. أفكر في هذا الطفل الذييشتري البرسيم بينما لايمتلك خروفا،في )أناس نسيهم الرب). وفي طفل آخر،طفل العربجي عبد الله في )بيت الموت المؤكد)،الذيينتقد أباه بقسوة. والطفل الذييصطاد بالمقلاع في )تنابلة الوادي الخصيب)…
نعم،ولكنهم بالضبط أبناء الشعب،وأنا،عندما أتكلم عن الأولاد،يتعلق الأمر بأولاد البورجوازية. هؤلاء أطفال الشعب،لا أراهم قد أصبحوا من الطغاة ومن الوزراء…
ولا من الظالمين…
حضرت تصوير فيلم في مصر،مأخوذ عن )شحاذون ومتعجرفون). كان هناك أطفال صغاريمثلون في الفيلم. وقت الغداء،نسي وجود أحد الأطفال. لميحضروه معهم. منحته بعض المال لكييشتري شيئايأكله،فلافل أو كمايريد. لميكن عمرهيتعدي الخامسة. ذهب،ولما عاد أحضر لي قطعة شيكولاته لكييشكرني لأنني منحته بعض القروش. في الخامسة من عمره ! حينمايحيا المرء في الشارع،يتعلم أنيكون كريما. الشعب المصري شعب كريم. بالبداهة،أتكلم عن الشعب المصري.
آلبير قصيري،تمدح دوما البطالة والكسل. عن شخص كسول،كتبت سبعة كتب،
سيناريوهات(6)… هل عملت…
حسب وجهة نظري،لميكن هذا من قبيل العمل. لم أبحث عن كسب المال،والا كنت عملت شيئا آخرغير الكتابة. بالتالي،هذا لاينتمي الي فكري. بعد ذاك،الكلمة )كسل) ينظر اليها سيئا في الدول الغربية،لأن الكسل،في هذه الدول،يعني الي حد ما الغباء،وليس هذا المقصود تماما. بالنسبة لي،الكسل نوع من البطالة. لا بد منه للتأمل. لهذا نجد،في الشرق،الأنبياء والحكماء.
ألايقابل أي نشاط،أيا كان نوعه،الكسل ؟
ليس نشاط الذهن،النشاط اليدوي أو التجاري.
ماذايمثل العالم أو الباحث ؟ شخصيعمل ؟
يعمل مايعجبه. هناك اختلاف كبير. تعمل في مصنع،ليس لمتعتك. أو بالتالي،أنت مخبول بأنهيمثل طريقتك في العيش.
صفحة بيضاء،من الصعب ملؤها…
هذايتعلق بمايقال. بالنسبة لبعض الأشخاص،أمر سهل،لأن نفاد البصيرةينقصهم. بالنسبة لهم،كل مايكتبونه طيب.
لديك،من الممكن أنيصبح البطل القصيري شحاذا. عمل الشحاذيتبدي كعمل مثل أية أعمال أخري،كما قال جوهر.
ولكن الشحاذ بطل من هذا العالم
> > >
يستطيع المرء أنيكون شحاذا بكل صفاء،بدون أنيفقد احترام ذاته،ومع ذلك تري أنه من الضروري الحفاظ علي احترام ذاته…
يتعلق الأمر بوجود الشحاذ في بلد حار أو بلد بارد. في بلد حار،من الممكن أنيحيا الشحاذ،بل وحتي أنينام في الشارع. ولكن كيفيمكن التخلص من العالم الذييحيط بنا ؟ من الضروري أن نجد مخرجا. حسنا… ولهذا،في ) شحاذون ومتعجرفون)،قلت : من الممكن أنيصبح المرء شحاذا ومتعجرفا،وهذا لا علاقة له برؤية الغرب للشحاذين. في البلاد الأخري… لا توجد دعابة كما في مصر. تماما،شأن مصري خاص. وهو مايدعمهم في بؤسهم. وهو ليس مثل البؤس الذييلقاه المرء في أوروبا،حيث المناخ قاس،والناس قساة.
هل سمعت قارئا قال لك إن أحد كتبكغير حياته ؟
نعم،لدي كثير من النماذج،من الشباب علي وجه الخصوص. لأنني بلغت عمرا،لايغير المرء فيه من حياته،يتحسر علي ما فاته،وما فقده. غير أنه بالنسبة للشباب. يجب أن أقول لك أن كثيرا من هؤلاء الشبابيرحلون الي مصر لأنهم قرأوا كتبي. وبالتأكيد أقاموا هناك.
هل وجدوا مصر التي وصفتها ؟
نعم،ثميسليهم هذا الأمر،لأن القاهرة عاصمة حية،استثنائية لدي الشباب…
من هم الكتاب الذين قرروا موهبتك ؟ هل هناك لحظة ؟ حيث قلت،حسبما نموذجهم : أستطيع أن أكون كاتبا بدوري ؟
ولكن بالتأكيد،بما أنه في سن العاشرة،كنت أعرف بأنني سأكون كاتبا.
ولكن،من من الكتاب اعتبرته الأهم ؟
دوستويفسكي،نيتشه،ستندال. وكشاعر،بودلير. وقرأت الألمان أيضا،توماس مان،والأنجليز…
بودلير الأكثر انسانية من كثير من الشعراء. أثر عليك شابا.
قرأت بودلير في سن العاشرة. ورامبو أيضا…
لا أقاوم ذكر احدي قصائدك،كتبتها خلال المراهقة،في عمر رامبو تحديدا.
تبرأت من هذه القصائد (7)…
ومع ذلك أحتفظ بهذين البيتين :
)وحيدا كجثة جميلة،
فييومها الأول بالقبر)
بالتأكيد،كنت ناضجا قبل الأوان…
صدفة الحياة…
أنها فرصة اكتشاف،كما تفعلها،النصوص الكبري في طفولتك،واعادة قراءتها علي مدار حياتك. هذه الفرصة من الممكن أن تكون دوما محجوزة،حسبما تقولغالبا للشباب. الكتب الكبري تعلمنا الروحية الحقيقية،المتحررة من الدوغمائيات. من خلال أعمالهم،نصب كبار الكتاب سورا ازاء الغباء. هل تستطيع أن تبدي رأيك،في كلمات قليلة،للقراء عن نهاية هذا الحوار ؟
لكي ترجعوا الي الكتب… كتاب كبيريمنحكم قدرة استثنائية. من الممكن أن تكونوا فقراء،بؤساء،مرضي،يائسين،قراءة عمل بارزينسيكم كل هذا.
أخبار الأدب الأحد 11 أغسطس 2013