
محمد أبو الفضل
الأحداث السياسية التي تمر بها البلاد, لا تحتمل مزايدة أو متاجرة من أحد تحتاج فقط قدرة علي الصمود والمواجهة,
وقبلهما مراجعة, والبحث عن الجذور, حتي نتمكن من عبور الأزمة. وكان الأولي بالوزير صابر عرب قبل أن يعقد زفــته الثقافية أن يعيد ترتيب البيت من الداخل.
الميزة الأساسية للمؤتمر الذي عقدته وزارة الثقافة أمس الأول, أنه سعي لاسترداد الدور المؤثر الذي تقوم به القوة الناعمة. لكن ثغراته وفجواته كانت كثيرة. فهو محاولة بائسة للإصلاح, لأنه تجاهل عددا من الرموز التي لها مكانة عالمية, وبدا مثل الزفــة الشعبية التي يحاول فيها شيخ الحارة تحية أهل العريس بأكبر مبلغ من النقود, ليقول أنا موجود. ومع احترامي الكامل لمن أسهموا في الزفة الثقافية لكن معظمهم أرادوا أن يثبتوا حضورهم في دفتر أهل الحل والعقد, سواء بالكلام العاقل والموزون, أو العبارات المنمقة والرنانة. وفي الحالتين كان الهجوم علي التيارات الإسلامية المتطرفة والمصيدة الخارجية, عنصرا مشتركا. ولم يسأل أحد منهم نفسه سؤالا مهما, جري تجاوزه عمدا, من الذي ساعد علي دخولنا الدائرة الجهنمية التي نعاني منها الآن؟ وكيف نعالج الأضرار الداخلية, قبل أن نجهد أنفسنا في توصيل صوتنا للخارج, ونتعب من أجل تصحيح صورتنا هناك؟.
الإجابة ببساطة, أن وزارة الثقافة علي مدي السنوات الماضية تتحمل جزءا كبيرا من المسئولية الأخلاقية, في أزمة استفحال التيارات المتشددة, ونجاح جماعة الإخوان في السيطرة علي عقول وأفكار قطاع من المواطنين. حيث تخلت الوزارة عن دورها التثقيفي الحقيقي, مع أن القائمين عليها صدعونا بدورهم التنويري. وركز غالبية العاملين فيها والمتعاونين معها والمنتفعين منها علي حصد الجوائز, والحصول علي المزايا, مثل عضوية اللجان, ونيل المكافآت, وأهملوا مجال عملهم الرئيسي, في ترسيخ القيم النبيلة والحضارية. ونتيجة الإهمال والتقاعس والتراخي الرسمي, تمكن المتطرفون من النفاذ حتي سيطروا علي القاع الشعبي للمجتمع, وهو ما تحول الآن إلي وقود تشعل به الجماعة نيرانها في أماكن مختلفة. وبدلا من الاعتراف بالخطأ ووضع روشتة سريعة للعلاج, عقدت وزارة الثقافة حفلة, استثمرها بعض من ذبل دورهم وخفت نجمهم لتأكيد أنهم مازالوا علي قيد الحياة الثقافية. وكان يجب محاكمتهم بتهمة الإهمال في أداء وظيفتهم, التي تقاضوا من أجلها آلاف الجنيهات, ثم يتكفل المجتمع بمعاقبتهم في الشق الأخلاقي, لأنهم فشلوا في تطبيق شعاراتهم علي الأرض, بينما تمكنت جماعة الإخوان وحلفاؤها من غرس أفكار ظلامية كثيرة.
لا يتحمل وزراء الثقافة السابقون وحدهم مسئولية الفشل, بل هو يمتد بالتأكيد إلي كبار الموظفين الذين تعاقبوا علي احتلال المناصب الرفيعة فيها. وهؤلاء أخفقوا مرتين. مرة, عندما فشلوا في القيام بمهام وظيفتهم بشرف ونزاهة وعلي أكمل وجه. ومرة أخري, عندما لم نسمع لهم صوتا مدويا في أثناء حكم الإخوان. فمنهم من تواري حتي طواه النسيان, ومنهم من حاول البحث عن دور جديد, فخرجت مواقفه وآراؤه الناقدة علي استحياء. والمشكلة أن هناك فئة كبيرة ممن يطلق عليها طبقة مثقفة سارت علي الدرب نفسه, وتلاشت أو اختفت كتاباتها. وأخري تلونت وتحولت وتاجرت, فرست أقدامها علي مركب الإخوان أو بالقرب منها, حيث تصورت أنهم الورقة الرابحة في هذا الزمان.
كلامي قد يكون صادما للبعض, لكنه في النهاية شهادة صريحة علي جريمة ارتكبتها وزارة الثقافة, ونشاهد نتائجها تمر أمام أعيننا ليلا ونهارا. وبدلا من الاجتهاد لإيجاد سياسات بديلة وتقديم تصورات لامعة لمواجهة غول التطرف وإعلاء قيم التسامح, نلاحظ أن الوزارة وعددا كبيرا من شلتها, داخل الحظيرة وخارجها, يصرون علي السير في الطريق الذي مشي عليه من قبل زملائهم, وربما أنفسهم, فهناك وجوه درجنا علي رؤيتها منذ عشرات السنين.
إن الزفة التي عقدها الوزير ورفاقه تأتي تكريسا لتلك الثقافة الكرنفالية التي لم تصنع تنويرا ولم تحارب تطرفا, بل كانت أداة للمكاسب لدي كثير من المثقفين, وقد خلا مؤتمر( زفــة) المجلس الأعلي للثقافة, الذي حضره مثقفون وفنانون وإعلاميون محترمون, من وقفة أو لمحة صغيرة للمراجعة والتقييم. والجميع, إلا من تاه صوته وسط الركام انشغلوا بالخارج, وتنافسوا للظهور إعلاميا لحصد المزايا حاليا, أو لحجز المقاعد مستقبليا. وإذا استمر تكرار أخطاء الوزارات السابقة, فعلينا أن نتوقع الفشل في القضاء علي طوفان التطرف والإرهاب. أما ترميم البيت من الداخل وإصلاح جدرانه المتصدعة, فسوف يكون النواة الأولي لوقف نيران التشدد. والنواة الثانية, هي الإقدام علي خطوة جريئة لتغيير الوجوه, التي تقلبت مع كل الوزارات ومصرة علي الاستمرار.
الأهرام 23-8-2013