
لقاء الوزيرة وعبد الناصر
على صفحته اليوم كتب عبد الناصر حنفى
– تقرير مختصر حول لقاء مع د.أشرف زكي، ومقابلة مع معالي وزيرة الثقافة
بالإضافة إلى بعض التعليقات الخاصة:
…..
بمبادرة من دكتور أشرف زكي التقيته مساء الأربعاء، ثم قابلنا وزيرة الثقافة في مكتبها ظهر الخميس 24-9، وقد استأذنت سيادة الوزيرة في الحديث عما دار في هذا اللقاء؛ ولم تبد اعتراضا، مثلما استأذنت د. أشرف.
وما يمكن قوله تلخيصا لأهم النقاط التي تم طرحها في هذين اللقاءين هو التالي:
أولا: حول اللقاء مع د.اشرف زكي:
1- ما فهمته حول هدف د.اشرف من مبادرته هو اهتمامه الشخصي أولا ومن منطلق ولايته النقابية ثانيا؛ على تأكيد مبدأ رفض الاساءة الشخصية وسيادة حالة الاحترام المتبادل بين الجميع، كما أكد أيضا على أهمية الحوار مع معالي الوزيرة وأن تسمع بنفسها ما أقول لأن هذا بحد ذاته قد يكون دحضا لما يروجه البعض منتفسيرات ربما كان الهدف منها هو محاولة الإضرار بآخرين لا شأن لهم بآرائي.
2- وبالمقابل فقد أكدت على احترامي الشخصي للجميع بصفة عامة ولسيادة الوزيرة بصفة خاصة، وأنه بغض النظر عما قد يستشعره البعض من حدة الآراء التي اطرحها، بل وبغض النظر أيضا عن مدى صحة أو دقة هذه الآراء من عدمه؛ فإنني لا أكتفى عادة بمجرد اصدار احكام عامة أو جزئية بقدر ما أحاول دعمها بكل ما يمكنني تجميعه ومراكمته من وقائع وأسانيد وملاحظات وتحليلات، وأنني –بالأخص- في كافة ما تعرضت له من أمور تخص الشأن العام المتعلق بقرارات وزيرة الثقافة كنت حريصا على التفرقة بين قرارتها وآلية صدورها وبين شخصها، بل أنني في هذا الصدد قمت بنحت استعارة ( القلم الذي يوقع القرارات ) لجعل هذه التفرقة واضحة قدر الإمكان بين شخص وزير الثقافة وقراراته، وأنني اتفهم بالطبع ان النقد ليس بالضرورة من أسباب سعادة أي مسئول في أي مستوى، إلا أن تقبل هذا النقد والتعاطي معه بالكيفية التي تحقق الصالح العام هو في النهاية جزء من مهام –أو حتى أعباء- أي منصب.
أما دعوة الحوار في أي أمر يتصل بالشأن العام فهي متى أطلقت تصبح واجبة الاستجابة من جميع الأطراف أيا كان مدى اختلافهم، وإن كنت أود تأكيد أن قبولي للدعوة لا يجب ان يفهم بوصفي ملتمسا أو شاكيا او صاحب مطلب شخصي، لا لشيء سوى لأن هذا لا يمثل جوهر موقفي.
3- وبناء على هذه التوافقات تم تحديد موعد لمقابلة معالي وزير الثقافة يوم الخميس 24-9-2020، في الواحدة ظهرا بمقر الوزارة.
ثانيا: حول المقابلة مع معالي وزيرة الثقافة:
4- افتتحت سيادة الوزيرة المقابلة التي حضرها د.اشرف زكي (رئيس أكاديمية الفنون، ورئيس نقابة المهن التمثيلية) بالتأكيد على مبدأ الاحترام المتبادل ورفض الإساءة الشخصية، وقد عقبت على هذه النقطة بنفس ما جاء في حواري مع د.أشرف زكي تقريبا.
5- تحدثت سيادة الوزيرة عن ضرورة تقبل الاختلاف في الرأي وأن هذه الضرورة تتضاعف في مجال الثقافة بخاصة، وأكدت انه سيتم (مراجعة) القرار الذي تم اتخاذه بتحويلي للتحقيق ووقفي عن العمل لثلاثة شهور مع خصم نصف الراتب، وأشارت انه كان لدي مشكلة مماثلة العام الماضي في الهيئة العامة لقصور الثقافة وأنها أصدرت حينها توجيهات بحلها.
وقد عقبت على هذه النقاط بالتالي:
– أن هذا القرار من وجهة نظري مقصود به التنكيل الشخصي -لا أكثر- وذلك لأغراض يعلمها صناعه.
– انهم اوصلوا التحقيق الذي أجري معي العام الماضي -بسبب نقد نشرته حول بعض قراراتهم- إلى نهايته وتم مجازاتي بالخصم الذي قمت بالطعن عليه في مجلس الدولة طبقا للقانون فتم الغاءه.
– وهنا حاولت توضيح ان ما يحدث معي ليس استثناء بل أصبح سياسة سائدة في الهيئة العامة لقصور الثقافة، وأنه منذ تولي أحد موظفي الاوبرا إدارة الشئون القانونية في الهيئة جلب معه تفسيرات قانونية غير صحيحة للتعامل مع تناول الموظفين لعملهم في الاعلام ووسائل التواصل، وبرغم ان هذه التفسيرات قد تكون محل اعتبار فيما يتعلق بدار الاوبرا التي تستقبل أحيانا زيارات من كبار مسئولي الدولة والضيوف والدبلوماسيين الأجانب بحيث قد تكون حوارات موظفيها منطوية على احتمال تعريض خطة تأمين هؤلاء الضيوف للانكشاف او الخطر، إلا أن تطبيق هذه التفسيرات في قصور الثقافة –الأكثر ارتباطا بمجتمعها المحيط- هو سياسة كارثية، وقد وصل الامر إلى حد مجازاة بعض مديري الافرع الثقافية لانهم صرحوا بشيء عن الأنشطة التي يقومون بها، علما بأن مدير فرع الثقافة كان يعتبر عضوا في مجلس محلي المحافظة بحكم منصبه، أي ان القانون نفسه كان لا ينظر إلى صاحب هذا المنصب بوصفه مسئولا عن إدارة مقرات قصور الثقافة، بل بوصفه مسئولا عن إدارة الثقافة نفسها في المحافظة ككل. (ومما لا شك فيه ان ما فعله موظف الاوبرا قد أدى إلى استبعاد الكثير من الكوادر والكفاءات فضلا عن تقليصه لأدوار وحضور قصور الثقافة في مجتمعاتها المحيطة).
6- حرصت سيادة الوزيرة على نفي الشائعة التي تقول ان إقامة الدورة الحالية للمهرجان التجريبي كان انصياعا لتوجيهات من خارج الوزارة، وأكدت أن قرار إقامة المهرجان جاء من منطلق حرص الوزارة على استعادة النشاط المسرحي ككل، وتأكيد قدرة الثقافة المصرية على الوفاء بالتزاماتها تجاه المجتمع المسرحي الدولي.
وقد علقت على هذه النقطة بالتالي:
– أن هذه الشائعة تحديدا –والتي تداعى لها الكثيرون- كانت واحدة من عوامل افساد المهرجان لأنها جعلت الكثير من المسرحيين يحجمون عن نقده أو حتى ابداء الراي في مجرياته، مثلما جعلت العاملين في المهرجان يتخلصون من القلق والمراجعة الذاتية المستمرة؛ وهما سمتان مطلوبتان للتصدي لمثل هذه المهمة، بحيث ساد بينهم شعور بأن المراد منهم هو اعلان بدء هذه الدورة ثم تسييرها إلى نهايتها لا أكثر! وهو ما أدى إلى نتائج كارثية على كل المستويات بلا استثناء –ماليا واجرائيا ومسرحيا وثقافيا- وأن هذا تحديدا ما سعيت لتوضيحه وبيان خطورته فيما كتبت وفيما أحضر لكتابته لاحقا.
7- أكدت سيادة الوزيرة أن عملية (تقييم) المهرجان ستبدأ بلقاء مع رئيسه، وأن أي كتابة مفيدة حول المهرجان سيتم أخذها بالاعتبار، وأنها رغم حرصها على تقييم كل ما يتم إلا أنها أيضا حريصة على عدم التدخل في عمل المسئولين في وزارتها طالما انه لا يوجد ما يستدعي ذلك، وأنه رغم ان أكاديمية الفنون بالنسبة لها هي بيتها الأول الذي تنتمي إليه إلا أنها لا تتدخل في عمل رئيسها (وهنا أشارت إلى د.اشرف زكي استشهادا به).
وقد علقت على هذه النقطة بالتالي:
أن أكاديمية الفنون مؤسسة كبرى وكل قراراتها وما يجري فيها محكوم بالقانون واللوائح والأعراف، وهو ما لا ينطبق على “التجريبي” خاصة بعد تحويل نمط إدارته من “لجنة عليا” إلى “مجلس إدارة” بحيث أصبح هذا المجلس مستقلا عن كافة مؤسسات الوزارة وهو ما تم –فيما أتصور- بغرض تمكين المجموعة السابقة التي كانت تدير التجريبي من اريحية التعامل مع كيانات خارجية وعقد الاتفاقات معها، إلا أن هذا التحول أيضا قد جعل أعضاء مجلس إدارة التجريبي مجرد مجموعة عمل مكلفة بمهمة خاصة من قبل الوزيرة نفسها، وليس لقراراتهم واجراءاتهم أي إلزام أو وضع قانوني إلا انطلاقا من قرار التكليف الوزاري أولا، ثم بقدر ما تعتمده الوزيرة من قراراتهم ثانيا.
8- في نهاية المقابلة تمنيت على سيادة الوزيرة أن تقوم بتأسيس مجموعة عمل خاصة تحضر لقراراتها، فأكدت وجود هذه الآلية، وعندها ناشدتها أن تدعمهم أكثر قدر استطاعتها.
ثالثا: تعليقات خاصة:
9- حاولت في هذا التقرير الموجز الالتزام بإعادة صياغة ما طرح في هاتين المقابلتين بالفعل ولم أضف شيئا إلا ما وضعته بين أقواس في النقطة الخامسة (والمتعلقة بأثر السياسة القانونية المتبعة في الهيئة العام لقصور الثقافة على مستوى اداءها وكوادرها، وهي مجرد نتيجة منطقية لما قلته بالفعل برغم أن سياقات الحوار لم تتح لي أن أوضح هذا التأثير بالكامل أمام سيادة الوزيرة).
10- النتيجة العملية لمقابلة سيادة الوزيرة يمكن تلخيصها في نقطتين:
أ– بدء تقييم مجريات ونتائج الدورة الأخيرة للمهرجان التجريبي.
(وهو أمر هام للغاية من وجهة نظري، لأنه إذا كانت هذه الدورة قد حققت خسائر محققة على كافة الأصعدة تقريبا، فإن هذا التقييم يمكن أن يساهم في وقف انتشار هذه الخسائر ومعالجة أثرها ووضع آلية تمنع تكرارها، وبالمناسبة يتردد في الكواليس منذ عدة أيام أن ثمة مراجعة صارمة تتم لبنود وأرقام ما صرف على إنتاج عروض المهرجان!(
– مراجعة القرار الذي صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بوقفي عن العمل مع خصم نصف الراتب وتحويلي للنيابة الادارية للتحقيق في البوست الذي نشرته على صفحتي بالفيس بوك حول رأيي في قرارات وأداء وزير ثقافة مصر.
(وهو ما أراه مجرد بادرة لطف تعبر عن موقف سيادة الوزيرة من هذا الأمر لا أكثر، لأنه إذا صح ما أعلمه عن اتخاذ الأوراق المتعلقة بالقرار لمسارها القانوني، فإن قرار الوقف عن العمل قد أصبح تحت ولاية المحكمة التأديبية، مثلما أصبح قرار التحقيق تحت ولاية النيابة الإدارية، ولم يعد لوزارة الثقافة سلطان على أيهما!
وللأسف يبدو أن البعض في هيئة قصور الثقافة يسعى الآن للالتفاف حول ما أبدته سيادة الوزيرة من لطف مثلما فعلوا العام الماضي، فبعد ساعات قليلة من المقابلة جاءتني مكالمة من صديق موثوق؛ مفادها ان من بالشئون القانونية يرغب في أن أقدم لرئيس الهيئة تظلما من القرار، وهو أمر لا ضرورة له إذا كانت أوراق القرار لا زالت في حوزة الهيئة، كما أنه اجراء بلا أي قيمة عملية ان كانت هذه الأوراق قد ذهبت في مسارها القانوني، وهو ما أكده بعض الخبراء القانونيين الذي طلبت رأيهم، ومنهم من قال ان المقصود بهذا الاجراء قد يكون تبييض وجه اصحاب القرار عبر اعلان موافقتهم (شبه الشخصية!) على التظلم وكأنهم لا يعلمون ان بقية الإجراءات القانونية ستأخذ مجراها بعد فترة)
11- إذا كنت قد كتبت في 5 سبتمبر بوست يقول ان القلم الذي توقع به وزيرة الثقافة قراراتها قد أصبح في حد ذاته خطرا على الثقافة المصرية، وأنها تتقدم بسرعة صاروخية في المنافسة على لقب أسوأ وزير ثقافة في تاريخ مصر: فقد كان هذا بمثابة صرخة تحذير مما يجري ومما نحن مقبلون عليه إن استمرت الأحوال كما هي، وبالتأكيد فإنه مما يسعدني شخصيا ويهدئ مخاوفي بعض الشيء تجاه المستقبل القريب للثقافة المصرية ان تثير هذه الصرخة انتباه البعض مسئولين كانوا أم غير مسئولين، وهذا الأمر وحده يجعلني على استعداد للتعامل بأريحية مع كل ما جلبه أو سيجلبه هذا البوست من متاعب ومشاكل أيا كان المدى الذي قد تصل إليه.
ولكن من جهة أخرى فقد اثار قلقي وانزعاجي أن البعض حاول التعامل مع الأمر برمته من منطلق أبوي أو أمومي، او رأى فيه شيئا لا يستهدف سوى التشهير أو الإساءة الشخصية، او حاول استخدامه ككارت في صراعات المطابخ والكواليس الصغيرة التي لا تعنيني.
إن الخطر الذي تتعرض له الثقافة المصرية هو أمر حقيقي من وجهة نظري على الأقل، وقد بتنا في وضع من الخفة بحيث أن بعض الأخطاء أو الميول الفردية أو حتى الهوس الشخصي قد ترتقي فجأة إلى مستوى القدرة على صناعة واقع يفرض نفسه فجأة على حياتنا الثقافية، وهو ما حدث العام الماضي مثلا مع الازمة التي نشبت حول المؤتمر الذي أقامته الهيئة العربية للمسرح حول تاريخ المسرح المصري وكاد أن يفضي إلى توقيعنا بمحض ارادتنا على ما أطلقت عليه حينها “شهادة إعادة تسنين للمسرح المصري”، ثم تكرر الأمر بنحو مشابه هذا العام مع المهرجان التجريبي والذي –فضلا عن خسائره التي لم يكتمل حصرها بعد- وضعنا في احراجات نظرية ساهمت –وربما ستساهم أكثر إن تركت لحالها- في تدمير الثقة بماهية المسرح الذي لا زال –حسبما أزعم على الأقل- أحد الوسائل الرئيسية التي يستخدمها عشرات إن لم نقل مئات الالاف من الشباب المصري لبناء علاقتهم بالعالم. علما بأن هاتين الأزمتين الهائلتين قد نشبتا انطلاقا من اعتوارات فردية بالأساس ولكنها وجدت في تهرؤ المؤسسة الثقافية ارضا خصبة، فما بالنا إذا دخلنا في مرحلة تتجاوز الاعتوارات الفردية إلى استراتيجيات منظمة تحاول استثمار هذه الخفة لصالح غيرنا!
وقد كتبت من قبل ان الاقتصاد أيا كان مستوى أداءه، وأيا كان نصيبه من النجاح أو الفشل لا يستطيع في النهاية أن يقدم ما يتجاوز (التجمع الإنساني) لبعض البشر، بينما الثقافة، والثقافة وحدها هي ما يستطيع تحول هذا التجمع إلى (مجتمع)، أي أن الثقافة تمثل الطبقات الاركيولوجية التي يقام فوقها أي مجتمع، ولذلك فبغض النظر عن أي متغيرات أخرى؛ فعندما تتعرض هذه الطبقات للتصدع –وهو السيناريو الذي نسير نحوه- فلن يكون أمامنا حينها سوى بعض الوقت –طال أو قصر- قبل أن تترجم هذه التصدعات نفسها إلى انهيارات اجتماعية!
الأمر جد خطير يا سادة، ولا يحتمل الهزل.